للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أنا ونحن]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

لماذا يتحدث الله عن نفسه بقوله "نحن " مع أنها للجمع، فهل هناك معه إله آخر؟

الجواب

إن القرآن الكريم نزل من عند الله بلغة العرب التى هى لغة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد نزل فى أرقى درجات البلاغة والفصاحة {بلسان عربى مبين} الشعراء: ١٩٥.

ومما جرت به عادة العرب أن يعبر المتكلم عن نفسه بلفظ "أنا" فإذا كان معه غيره قال "نحن " كما أن لفظ "نحن " يستعمل عند تعظيم المتكلم لنفسه، وتعظيم الإنسان لنفسه له دواع تدعو إليه، فقد يكون ذا منصب أو جله أو حسب أو نسب فيتحدث عن نفسه تفاخرا وتكبرا من أجل التفاخر والتكبر، وقد يكون لإدخال الرهبة فى قلوب الآخرين، كأنه عدة أشخاص لا شخص واحد، وقد يعبر عن نفسه بلفظ "نحن " لتعدد مآثره أو مواهبه، كأنه عدة أشخاص فى شخص واحد، فالكثرة والتعدد بالنظر إلى الأثر لا إلى المؤثر.

وأسلوب التعظيم للمتكلم أو المخاطب موجود فى اللغات الأخرى وليس قاصرا على اللغة العربية، ويستعمل فى مثل الأغراض المذكورة.

فإذا كان رب العزة يقول {نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا} الإنسان: ٢٨، فالمقام مقام امتنان بالخلق والإنعام ومقام تخويف وإرهاب للكافرين، يتناسب معه ضمير التعظيم الذى يعطى معنى القوة والهيبة، وإذا كان يقول {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} الحجر: ٩، فالمقام مقام الاقتدار الذى يدخل الطمأنينة على حفظ الله للقرآن الذى أنزله بقدرته وحكمته، وإذا كان يقول {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} غافر: ٥١، ففيه اطمئنان لحماية الله لرسله ونصرهم على أعدائهم، كأنها حمايات بوسائل متعددة.

وأعتقد أن المؤمن حين يقرأ القرآن وفيه أسلوب التعظيم لله لا يتسرب إلى نفسه أى شك فى وحدانيته سبحانه، وهو جدير بكل عظمة وإجلال لا يمكن أن يكون لغيره من القدرة والإنعام ما يصرف الناس عن عبادته وحده

<<  <  ج: ص:  >  >>