للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دار الإسلام ودار الحرب]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

ما المقصود بدار الحرب، ومتى يطلق على منطقة بأنها دار حرب، وهل تقام فيها الحدود؟

الجواب

جاء فى كتاب " بيان للناس من الأزهر الشريف، ج ١ ص ٢٤٨ " أن تقسيم البلاد إلى دار كفر وإسلام أمر اجتهادى من واقع الحال فى زمان الأئمة المجتهدين، وليس هناك نص فيه من قرآن أو سنة. والمحققون من العلماء قالوا: إن مدار الحكم على بلد بأنه بلد إسلام أو بلد حرب هو الأمن على الدين. حتى لو عاش المسلم فى بلد ليس له دين أو دينه غير دين الإسلام، ومارس شعائر دينه بحرية فهو فى دار إسلام، بمعنى أنه لا تجب عليه الهجرة منها. وذكر المرحوم الشيخ محمد أبو زهرة فى رسالة عن نظرية الحرب فى الإسلام " ص ٣٨" رأيين للفقهاء فى دار الإسلام ودار الحرب. ثم اختار رأى أبى حنيفة وهو: أن مدار الحكم هو أمن المسلم، فإن كان اَمنا بوصف كونه مسلما فالدار دار إسلام وإلا فهى دار حرب. وقال: إنه الأقرب إلى معنى الإسلام، ويوافق الأصل فى فكرة الحروب الإسلامية وأنها لدفع الاعتداء. انتهى. وبخصوص الحدود قال فريق من الفقهاء منهم أبو حنيفة: إذا غزا أمير أرض الحرب فإنه لا يقيم الحد على أحد من جنوده فى عسكره، إلا أن يكون إمام مصر أو الشام أو العراق أو ما أشبه ذلك، فيقيم الحدود فى عسكره، وحجتهم أن إقامتها فى دار الحرب قد تحمل المحدود على الالتحاق بالكفر. وقد نص على عدم إقامتها أحمد وإسحاق بن راهويه والأوزاعى وغيرهم، وعليه إجماع الصحابة. وكان أبو محجن الثقفى لا يطيق الصبر عن شرب الخمر، فشربها بالقادسية فحبسه أمير الجيش سعد بن أبى وقاص وأمر بتقييده، ثم طلب من امرأة سعد أن تطلقه ليشترك فى المعركة وتعهد بالعودة إلى الحبس، وكان ذلك، ولما عرف سعد بلاءه فى الحرب عفا عنه فتاب عن الحمر. ورأى جماعة آخرون عدم الفرق بين إقامة الحدود فى دار الإسلام وغيرها، ومنهم مالك والليث بن سعد.

وبعد، فهذا سؤال تقليدى عن الحدود قضت به ظروف كان المسلمون فيها أصحاب قوة وسلطان يفتحون البلاد بالإسلام، فهل يمكن فى ظروفنا الحاضرة أن يكون لنا هذا الوضع؟ هذا، ويثار هنا سؤال عن حكم إقامة المسلم فى بلاد المشركين، ورأى الإسلام فى الجاليات الإسلامية. روى أبو داود والترمذى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " أنا برىء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ". وهذا الحديث يلتقى مع الآيات التى تحث على الهجرة من مكة إلى المدينة، وتنعى على من يستطيعون الهجرة ولا يهاجرون، ومنها قوله تعالى {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض اللَّه واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا} النساء: ٩٧،. والهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة، لكن هل هى واجبة أم مندوبة؟ قال العلماء: إن خاف المسلم على دينه وخلقه أو على ماله وجب أن يهاجر، وإن لم يخف لم تجب الهجرة، وتكون سنة. لكن قال المحققون: إذا وجد المسلم أن بقاءه فى دار الكفر يفيد المسلمين الموجودين فى دار الإسلام، أو يفيد المسلمين الموجودين فى دار الكفر بمثل تعليمهم وقضاء مصالحهم، أو يفيد الإسلام نفسه بنشر مبادئه والرد على الشبه الموجهة إليه - كان وجوده فى هذا المجتمع أفضل من هجره، ويتطلب ذلك أن يكون قوى الإيمان والشخصية والنفوذ حتى يمكنه أن يقوم بهذه المهمة.

وقد كان لبعض الدعاة والتجار فى الزمن الأول أثر كبير فى نشر الإِسلام فى بلاد الكفر " انظر الجزء الأول من كتاب بيان للناس من الأزهر الشريف "

<<  <  ج: ص:  >  >>