للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما ذبح على الشريعة اليهودية]

المفتي

جاد الحق على جاد الحق.

١٢ شوال ١٤٠١ هجرية - أغسطس ١٩٨١ م

المبادئ

١ - مأكول اللحم من الحيوان البرى المقدور عليه لا يحل أكله بدون ذكاة.

٢ - الذكاة الشرعية هى الذبح أو النحر بآلة حادة مما يجرى الدم ويفرى الأوداج ويقطع العروق بين الرأس والصدر.

٣ - التثبت قبل الحكم بالتحريم واجب.

٤ - ذبيحة أهل الكتاب يحل أكلها للمسلمين إلا إذا ثبت قطعا أنها أميتت بطريقة تجعلها محرمة شرعا وعلى المسئولين التثبت من الذبح أو النحر بأى طريق يؤدى إلى ذلك.

٥ - من باب الاحتياط للحلال والحرام.

نقترح مطالبة الجهة الموردة ببيان طريق الذبح، وألا يكتفى فى الشهادة بأن الذبح قد تم حسب الشريعة اليهودية

السؤال

بكتاب الهيئة العامة للرقابة على الصادرات الواردات وقد جاء به إن الهيئة تلقت استفسارا من فرعها بالعريش عن مدى الاعتداد بشهادات الذبح المرافقة لرسائل الدواجن المجمدة الواردة من إسرائيل والتى تفيد أن الذبح قد تم حسب الشريعة اليهودية والمقبولة فى الشريعة الإسلامية.

وأن الهيئة ترجو الإفادة عن الرأى الشرعى فى الذبح بصفة عامة على الشريعة اليهودية، ومدى موافقتها للشريعة الإسلامية، حتى يتسنى إذاعة هذا الرأى على فروع الهيئة

الجواب

إن الله سبحانه وتعالى قال فى كتابه الكريم {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب} المائدة ٣، وقال {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم} المائدة ٥، وقد اتفق علماء الإسلام على أنه لا يحل شىء من الحيوان المأكول البرى المقدور عليه بدون ذكاة (أى ذبح) لقوله سبحانه فى آية المحرمات السابقة {إلا ما ذكيتم} فقد استثنى الله سبحانه وتعالى الحيوان المذكى من المحرم والاستثناء من التحريم إباحة، والذكاة الشرعية التى يحل بها الحيوان البرى المقدور عليه هى أن يذبح الحيوان أو ينحر بآلة حادة مما ينهر الدم ويفرى الأوداج، أى يفجر دم الحيوان ويقطع عروقه من الرقبة بين الرأس والصدر، فيموت الحيوان إثرها، وأكمل الذبح أن يقطع الحلقوم والمرئ (وهما مجرى الطعام والشراب والنفس) وأن يطقع معهما الودجان (وهما عرقان غليظان بجانبى الحلقوم والمرئ) .

والذبح معروف بالفطرة والعادة لكل الناس، وقد أقر الإسلام بيسره وسماحته وبساطته ما جرت به عادة الناس وأعرافهم، وأقرته سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الفعلية فى ذبح الأضحية.

ومن ثم فما اثاره بعض الفقهاء من أنه هل من الواجب فى الذبح قطع الأربعة (الحلقوم والمرئ والودجين) وهل يجب فى المقطوع قطع الكل أو الأكثر، وهل يشترط فى القطع ألا تقطع الجوزة إلى جهة البدن، بل إنما تقطع إلى جهة الرأس، وهل إن قطعت من جهة العنق حل أكلها أم.

لا وهل من شرط الذكاة ألا يرفع الذابح يده عن الذبيحة حتى تتم الذكاة أم لا كل هذه التساؤلات خاض فيها الفقهاء، دون اعتماد على نص صريح باشتراطها، والذى ينبغى مراعاته، هو انهار دم الحيوان من موضع الذبح المعروف عادة وعرفا بقطع تلك العروق كلها أو أكثرها للحديث الشريف الصحيح (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا) (رواه البخارى وغيره) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله كتب الإحسان على كل شىء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته) (رواه مسلم عن شداد بن أوس) وما رواه ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا ذبح أحدكم فليجهز) .

(رواه ابن ماجة) هذا وقد قال أهل اللغة إن كل ذبح ذكاة، وإن معنى الذكية فى قوله تعالى {إلا ما ذكيتم} أى ما أدركتم وفيها بقية تشخب معها الأوداج، وتضطرب اضطراب المذبوح الذى أدركت ذكاته.

ذبائح أهل الكتاب - اليهود والنصارى هم أهل الكتاب، لأنهم فى الأصل أهل توحيد، وقد جاء حكم الله فى الآية بإباحة طعامهم للمسلمين، وإباحة طعام المسلمين لهم فى قوله سبحانه {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم} المائدة ٥، ومعنى هذه الآية على وجه الإجمال والله أعلم أن طعام الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى حل لكم بمقتضى الأصل، لم يحرمه الله، وطعامكم كذلك حل لهم فلا بأس أن تأكلوا من اللحوم التى ذكوا حيواناتها، أو التى صادوها ولكم أن تطعموهم مما تذكون ومما تصطادون.

وكلمة {وطعام الذين أوتوا الكتاب} عامة تشمل كل طعام لهم، فتصدق على الذبائح والأطعمة المصنوعة من مواد مباحة، فكل ذلك حلال لنا، ما لم يكن محرما لذاته، كالميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير، فهذه لا يجوز أكلها بالإجماع سواء كانت طعام مسلم أو كتابى.

(هل يشترط أن تكون ذبائحهم مذكاة بآلة حادة، وفى الحلق) .

لقد اشترط أكثر فقهاء المسلمين لحل ذبائح أهل الكتاب أن يكون الذبح على الوجه الذى ورد به الإسلام، وقال بعض فقهاء المالكية إن كانت ذبائحهم وسائر أطعمتهم، مما يعتبرونه مذكى عندهم حل لنا أكله، وإن لم تكن ذكاته عندنا ذكاة صحيحة، وما لا يرونه مذكى عندهم لا يحل لنا، ثم استدرك هذا الفريق فقال فإن قيل فما أكلوه على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس، فالجواب أن هذه ميتة وحرام بالنص، فلا نأكلها نحن كالخنزير، فإنه حلال ومن طعامهم، وهو حرام علينا، فهذه أمثلة والله أعلم (أحكام القرآن لابن العربى المجد الثانى ص ٥٥٣ - ٥٥٦ طبعة دار المعرفة) وفى فقه الإمام أبى حنيفة إنما تؤكل ذبيحة الكتابى إذا لم يشهد ذبحه ولم يسمع منه شىء أو سمع وشهد منه تسمية الله تعالى وحده، وقد روى عن الإمام على بن أبى طالب حين سئل عن ذبائح أهل الكتاب قوله (قد أحل الله ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون) (بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج - ٥ ص ٤٥ و ٤٦) وفى فقه الإمام الشافعى (نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملى ج - ٨ ص ١٠٧، والاقناع بحاشية البيجرمى ج - ٤ ص ٥٦) .

أنه لو أخبر فاسق أو كتابى أنه ذكى هذه الشاة قبلناه لأنه من أهل الذكاة.

وما تشير إليه هذه النصوص الفقهية يمكن تجميعه فى القاعدة التى قررها الفقهاء وهى أن (ما غاب عنا لا نسأل عنه) .

إذ أنه ليس على المسلم أن يسأل عما غاب عنه، كيف كانت ذكاته وهل استوفت شروطها أم لا وهل ذكر اسم الله على الذبيحة أم لم يذكر بل إن كل ما غاب عنا مما ذبحه مسلم (أيا كان جاهلا أو فاسقا) أو كتابى، حل أكله.

والأصل فى هذا الحديث الذى رواه البخارى أن قوما سألوا النبى صلى الله عليه وسلم فقالوا إن قوما يأتوننا باللحم لا ندرى أذكروا اسم الله عليه أم لا فقال صلى الله عليه وسلم (سموا الله عليه أنتم وكلوا) .

فقد قال الفقهاء إن فى هذا الحديث دليلا على أن التصرفات والأفعال تحمل على حال الصحة والسلامة حتى يقوم دليل على الفساد والبطلان.

لما كان ذلك كان الأصل العام المقرر من الله فى القرآن الكريم فى آيتى (٣ و ٥) سورة المائدة أن هناك محرمات استثنى فيها المذكى وأن هناك إباحة لطعام أهل الكتاب، اليهود والنصارى، ومن طعامهم الذبائح، والارتباط بين حكمى الآيتين قائم، فلابد أن نحرم من ذبائحهم ما يعتبر بحكم القرآن ميتة أو منخنقة أو موقوذة أو متردية أو نطيحة، أو انتهت حياتهم بأحد هذه الأسباب ولم تدرك بالذكاة، وكان مع هذا علينا أن نرعى وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا الشأن ونعمل بها، فقد أخرج البزار والطبرانى من حديث أبى الدرداء بسند حسن (ما أحل الله فهو حلال وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا) وما أخرجه الطبرانى من حديث أبى ثعلبة (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها) وفى لفظ (وسكت عن كثير من غير نسيان فلا تتكلفوها، رحمة لكم، فاقبلوها) .

وقد روى الترمذى وابن ماجه من حديث سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الجبن والسمن والفراء التى يصنعها غير المسلمين فقال (الحلال ما أحل الله فى كتابه والحرام ما حرم الله فى كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه) (الأشباه والنظائر للسيوطى تحقيق المرحوم الشيخ حامد الفقى سنة ١٣٥٦ هجرية - ١٩٣٨ م ص ٦٠ فى باب الأصل فى الأشياء الاباحة حتى يدل الدليل على التحريم) إذ أن هذه الأحاديث تدل صراحة على أنه لا ينبغى أن نسارع إلى تحريم شىء لم يحرمه الله صراحة، ولابد أن نتثبت قبل التحريم وأن نرجع الأمر إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وإذا كان الله ورسوله قد بينا للمسلمين الحلال والحرام على هذا النحو الذى لا شبهة فيه.

كان الحكم الشرعى العام أن ذبائح اليهود والنصارى حل للمسلمين بنص القرآن الكريم وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا فقد ثبت فى الصحيحين (المرجع السابق) (أنه صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة (المزادة وعاء من جلد من طبقة أو طبقتين أو ثلاث يحمل فيه الماء - المصباح وتاج العروس فى مادة زود) امرأة مشركة، ولم يسألها عن دباغها ولا عن غسلها) .

وللخبر المشهور من حديث (الروض النضير ج - ٣ ص ١٦٧ وما بعدها) أنس رضى الله عنه (أن يهودية أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأكل منها) أى دون أن يسأل عن طريق ذبحها، أو يتحقق من آلة الذبح.

لما كان ذلك ونزولا على ما صرح به الفقهاء من قبول خبر المسلم الفاسق أو الجاهل وخبر الكتابى فى حل الذبيحة، باعتبار أن كلا منهم أهل للذكاة بنص القرآن والسنة، على ما سلف بيان سنده - يجوز الاعتداد بشهادات الذبح المرافقة لرسائل الدواجن واللحوم التى تستورد من بلاد يقوم بالذبح فيها كتابيون (اليهود والنصارى) .

وذلك ما لم يظهر من فحص رسائل الدواجن واللحوم المستوردة أنها لم تذبح، وإنما أميتت بالصعق بالكهرباء، أو بالقذف بالماء المغلى أو فى البخار أو بالضرب على الرأس أو بإفراغ محتوى المسدس المميت فى رأسها، أو متى ظهر أنها قد أزهقت أرواحها بطريق من هذه الطرق وأمثالها.

أصحبت ميتة محرمة، لأنها بهذا تدخل فى نطاق آية المحرمات (الآية الثالثة) فى سورة المائدة.

ولما كان الحلال والحرام من أمور الإسلام التى قطع فيها كل من القرآن والسنة بالنصوص الواضحة التى يجب العمل بها جميعا، كان على المسئولين عن الرقابة على الواردات من اللحوم والدواجن المذبوحة، بل والمعلبة، التثبت مما إذا كانت قد ذبحت، أو أزهقت روحها بطريق جعلها من تلك المحرمات، وأن تطالب الجهة الموردة بوضوح الشهادة وذلك بتحديد طريق الذبح ومكانه، بأن يكون بآلة حادة وفيما بين الرأس والصدر، وليس بالصعق أو الخنق وأمثالهما على ما سبق بيانه.

ذلك لأنه اليهود بوصف عام أصحاب كتاب سماوى شرع الذبح تحليلا لأكل الحيوانات المسخرة للإنسان، ومثلهم النصارى باعتبارهم من أهل الكتاب أيضا، غير أنه يشترط أن تكون اللحوم مما أباح الإسلام تناولها.

وإذا كان ما تقدم وترتيبا عليه، ومراعاة تلك القيود، يجوز الاعتداد بشهادات الذبح المرافقة لرسائل الدواجن المجمدة المسئول عنها، ما لم يظهر من الفحص أنها لم تذبح وإنما أزهقت روحها بطريق آخر كالصعق أو الخنق، وأنه من باب الاحتياط للحلال والحرام.

أقترح أن تطالب الجهة الموردة ببيان طريق الذبح وألا يكتفى فى الشهادة بأن الذبح تم حسب الشريعة اليهودية.

هذا، وان الله سائل كل راع عما استرعاه، حفظ أم ضيع والعمل أمانة، والرقابة على أقوات الناس وأطعمتهم أمانة قال تعالى {فليؤد الذى اؤتمن أمانته وليتق الله ربه} البقرة ٢٨٣، والله سبحانه وتعالى أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>