روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مسَّ الحصا فقد لغا". قال العلماء: لقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن اللغو حال خطبة الجمعة، وحكمته أن فيه تشويشا على الخطيب بالكلام أو بأى عمل آخر، وأن فيه انصرافا عن الاستماع إليه. قال أبو حنيفة ومالك والشافعى وعامة العلماء: يجب الإنصات للخطبة، وبخاصة إذا تلى فيها قرآن، قال تعالى {وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} الأعراف: ٢٠٤، وقال أيضا {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} فصلت: ٢٦، وقال أبو حنيفة: يجب الإنصات حتى قبل الخطبة، من حين خروج الإمام إليها. وقول الحديث:" ومن مس الحصا فقد لغا" يشير إلى أن كل ما يصرف الإنسان عن الاستماع إلى الخطبة يبطل ثواب الجمعة، وذلك كمس الحصا الذى كان يفرش به المسجد النبوى، ومثله اللهو بالمسبحة وبأى شىء آخر، فهو لغو أى باطل مذموم. ولما كان حامل صندوق التبرعات منصرفا عن الاستماع ومشوشا على غيره بصوت النقود المعدنية التى تقرع قاع الصندوق، وبمشيه بين الصفوف الذى قد يكون معه تخطً للرقاب وهو منهى عنه نهيا شديدا، وقد يشغل المتبرع بإخراج النقود فينصرف عن سماع الخطبة-لما كان ذلك كان جمع التبرعات بهذه الطريقة منافيا لواجب الاستماع إلى الخطبة، وليست هذه حالة ضرورة حتى يباح لها المحظور، فإن جمع التبرعات ممكن بعد الانتهاء من الصلاة.
وقد جاء النهى عن تخطى الرقاب يوم الجمعة مقيدا بأنه يكون بعد خروج الإمام للخطبة، كما فى رواية أحمد والطبرانى، أو يكون أثناء الخطبة كما فى رواية لأحمد وأبى داود والنسائى وابن خزيمة وابن حبان فى صحيحيهما، حيث رأى النبى صلى الله عليه وسلم رجلا يتخطى رقاب الناس وهو يخطب، فقال له " اجلس، فقد آذيت " وجاء النهى مطلقا لم يقيد بهذين القيدين كما فى رواية ابن ماجة والترمذى " من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى جهنم " وقال الترمذى: حديث غريب، أى رواه راو واحد فقط والعمل عليه عند أهل العلم.
واعتمادا على هذه الروايات يمكن أن يقال: لو كان جمع التبرعات قبل خروج الإمام للخطبة وليس فيه تخط للرقاب لم يكن ذلك ممنوعا.
والأفضل -كما قلنا-أن يكون ذلك بعد الانتهاء من الصلاة