[تحسين الصوت بالقرآن]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل ما نسمعه من قراءة القرآن فى المآتم والاحتفالات تجويد شرعى أو تطريب تراعى فيه مقامات الموسيقى لإعجاب المستمعين؟
الجواب
التجويد، هو ضبط القراءة بإخراج الحروف من مخارجها وإعطائها حقها ومستحقها كما حدده المشتغلون بعلم التجويد أما تحسين الصوت بالقرآن فشىء وراء التجويد اللازم لصحة القراءة، والأمر بتحسين الصوت بالقرآن موجود فى نصوص كثيرة منها حديث "ليس منا من لم يتغن بالقرآن " رواه مسلم وحديث "زينوا القرآن بأصواتكم " رواه أبو داود والنسائى، وحديث "ما أذن الله لشىء ما أذن لنبى حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به " رواه مسلم.
وقد توسع القرطبى فى شرح هذه الأحاديث فى مقدمة تفسيره نقتطف منه ما يلى:
العلماء فريقان فى التطريب وقراءة القرآن بالألحان، فكرهه جماعة منهم الإمام مالك، وقال: لا يعجبنى،إنما هو غناء يتغنون به ليأخذوا عليه الدراهم، وأجازته جماعة، لأنه أوقع فى القلوب، واحتجوا بالأحاديث السابقة.
ومما ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم استمع إلى قراءة أبى موسى الأشعرى وأعجب بها دون أن يعلم، فلما علم قال: لو أعلم أنك تستمع لقراءتى لحبَّرته لك تحبيرا، وعلى هذا أبو حنيفة وأصحابه والشافعى وغيرهم. واختار القرطبى رأى مالك وأجاب عن الأحاديث بأن القرآن لا يُزيَّن بالصوت، وإنما الصوت هو الذى يزين بالقرآن فالتعبير فى الحديث مقلوب، وكذلك فسره غير واحد.
وذكر رواية لأبى هريرة "زينوا أصواتكم بالقرآن" كما روى عن عمر:
حسنوا أصواتكم بالقرآن.
وحديث التغنى بالقرآن معناه تحسين الصوت به، وهو معنى التحبير الوارد فى كلام أبى موسى الأشعرى. وقيل: المراد بالتغنى الاستغناء بالقرآن عن علم أخبار الأمم وقيل: معناه يتحزن به وقيل: إن العرب كانت تولع بالغناء والنشيد فى أكثر أقوالها فلما نزل القرآن أحبوا أن يكون القرآن هِجِّيَراهُمْ، أى دأبهم وعادتهم.
ونفى الشافعى ومن معه أن يكون المراد بالتغنى الاستغناء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لو أراده لقال "من لم يستغن" بدل "يتغن" قال الطبرى: المعروف عندنا فى كلام العرب أن التغنى إنما هو الغناء الذى هو حسن الصوت بالترجيع: ورد القرطبى كلام الطبرى، وذكر أن الترجيع والتطريب فيه همز ما ليس بمهموز، ومد ما ليس بممدود، ويؤدى ذلك إلى زيادة فى القرآن وهو ممنوع.
ثم ذكر القرطبى أن الخلاف فى التطريب محله إذا لم يترتب عليه عدم فهم القرآن، وإلا كان حراما بالاتفاق، وحمل بشدة على قراء مصر لذلك. ثم ذكر حديثا رواه الترمذى الحكيم فى "نوادر الأصول" وهو "اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل العشق ولحون أهل الكتاب، وسيجئ بعدى قوم يرجِّعون بالقرآن ترجيع الغناء والنوح، لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم " وقال: اللحون جمع لحن وهو التطريب وترجيع الصوت وتحسينه بالقراءة والشعر والغناء، انتهى.
غير أن ما يرويه الترمذى الحكيم فيه كلام كثير، وهو غير الترمذى صاحب السنن، والواجب فى قراءة القرآن الخشوع والأدب فى الأداء، والمحافظة على إخراج الحروف من مخارجها، وإعطاء المد حقه وعدم التمطيط الزائد، أو الانتقال المفاجئ من رفع الصوت العالى إلى الانخفاض الشديد، وما يشبه ذلك مما لا يفرق بين قراءة القرآن والغناء، والعلماء المختصون بالتجويد والقراءات هم أهل الذكر فى ذلك