يشكك بعض الناس فى قتال الملائكة يوم بدر، قائلين إن المسلمين انتصروا بجهودهم، ولو كان الانتصار بسبب قتال الملائكة ما كان لهم فضل، فما مدى صحة هذا الكلام؟
الجواب
تحدَّث القرطبى فى تفسير قولة تعالى {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون. إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين. بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مُسوِّمين} آل عمران: ١٢٣ - ١٢٥، وقال: إن الله أمَدَّ بملائكته نبيه والمؤمنين فى قول جماعة العلماء. وتظاهرت الروايات بأن الملائكة حضرت يوم بدر وقاتلت. ومن ذلك قول أبى أسيد مالك بن ربيعة وكان شهيد بدر: لو كنت معكم الآن ببدر ومعى بصرى لأرينكم الشعب الذى خرجت منه الملائكة، لا أشك ولا أمترى - وأبو أسيد يقال إنه اَخر من مات من أهل بدر.
ثم ذكر القرطبى حديثا رواه مسلم عن عمر بن الخطاب جاء فيه دعاء النبى صلى الله عليه وسلم ربه لما رأى كثرة المشركين قائلا " اللهم أنجز لى ما وعدتنى، اللهم آت ما وعدتنى، اللهم إن تهلك هذه العصابة - الجماعة - من أهل الإسلام لا تعبد فى الأرض " وما زال يهتف وأبو بكر يقول له:كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين " فأمده الله تعالى بالملائكة. ثم قال القرطبى: فتظاهرت السنة والقرآن على ما قاله الجمهور والحمد لله.
ولم تكن مهمة الملائكة هى التثبيت فقط لقلوب المؤمنين بل باشروا القتال بالفعل كما قال رب العزة {إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا، سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان " الأنفال: ١٢، وكان منهم ملكان عن يمين الرسول ويساره وعليهما ثياب بيض يقاتلان عنه أشد القتال، يقول سعد بن أبى وقاص: ما رأيتهما قبل ولا بعد " القرطبى ج ٤ ص ١٩٠ ".
وفى حديث مسلم عن غزوة بدر قول ابن عباس: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد فى أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول: أقدِمْ حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه فخرَّ مستلقيا، فنظر إليه فإذا هو قد حطم أنفه وشق وجهه فاخضرَّ ذلك أجمع.
فجاء الأنصارى فحدَث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة" فقتلوا يؤمئذ سبعين وأسروا سبعين "القرطبى ج ٤ ص ١٩٣ "وفى ص ١٩٤ عن سهل بن حنيف قال: لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا يشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه، وعن الربيع بن أنس قال: كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوهم بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به ذكره البيهقى.
يؤخذ من هذا ومن غيره أن الملائكة باشرت القتال بالفعل ولم يكن دورهم هو التثبيت فقط، وهذا ما يدل عليه ظاهر النصوص ولا حاجة لتأويلها، كما زعم بعض الناس أنهم حضروا فى بدر للدعاء بالتثبيت لا غير.
والمهم أن نأخذ العبرة من ذلك بأن الله سبحانه يمد المؤمنين الصادقين بوسائل النصر إن استغاثوه ولم يعتمدوا على أنفسهم وقوتهم ناسين ربهم، فالله سبحانه بيده كل شىء {وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} آل عمران: ١٢٦، {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} محمد: ٧، {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} الروم: