[أ- سلخ قرنية عين ميت وتركيبها لحى، ب- وكالة واختلاف دين]
المفتي
أحمد هريدى.
٢٣ اكتوبر ١٩٦٦م
المبادئ
١- سلخ قرنية العين من ميت لتركيبها لحى غير جائز شرعا إلا للضرورة التى تكون المصلحة فيها أعظم من الضرر الذى يصيب الميت.
٢- اتحاد الدين ليس شرطا فى صحة الوكالة فى الخصومة عند الحنفية والشافعية.
٣- الردة لا تمنع صحة الوكالة عند الحنفية، فلو وكل مسلم مرتدا جاز ذلك عندهم.
٤- اختلاف الدارين مانع من صحة الوكالة بالنسبة لغير المسلمين عند الحنفية.
٥- كل من صح تصرفه فى شئ بنفسه وكان مما تدخله النيابة صح أن يوكل فيه غيره مطلقا عند الحنابلة.
٦- توكيل الذمى ذميا على استخلاص دين له على مسلم ممنوع عند المالكية، وإن كان الدين على غير مسلم جاز ذلك.
٧- توكيل المسلم ذميا فى البيع والشراء وتقتضى الديون ممنوع عند المالكية.
٨- مذهب الشافعية أن من صح منه مباشرة الشئ صح توكيل غيره فيه، وأن يوكل هو فيه عن غيره
السؤال
من الشيخ عبد الحليم رئيس المجلس الأعلى لشئون الإسلام بولاية قدح (ماليزيا) بكتاب وزارة الخارجية إدارة العلاقات الثقافية رقم ٧٩٣٦ ث ملف رقم ٩٦/٣٥٥ اث المقيد برقم ٦٧٣ سنة ١٩٦٦ المطلوب به الإفادة عن الحكم الشرعى فى الموضوعين الآتيين: ١- سلخ قرنية العين من الميت وتركيبها للكفيف.
٢- قيام المحامى المدنى غير المسلم بما يقوم به المحامى الشرعى وتدخله تدخلا مباشرا فى الدفاع عن القضايا والأحكام الشرعية
الجواب
عن الموضوع الأول الإنسان الحر بعد موته تجب المحافظة عليه ودفنه وتكريمه وعدم ابتذاله - فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم النهى عن كسر عظم الميت لأنه ككسره حيا - ومعنى هذا الحديث أن للميت حرمة كحرمته حيا، فلا يتعدى عليه بكسر أو شق أو غير ذلك.
وإخراج عين الميت كإخراج عين الحى، ويعتبر اعتداء عليه غير جائز شرعا، إلا إذا دعت إليه ضرورة تكون المصلحة فيها أعظم من الضرر الذى يصيب الميت، وذلك لأن قواعد الدين الإسلامى الحنيف مبنية على رعاية المصالح الراجحة وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة يكون تفويتها أشد من هذا الضرر، فإذا كان أخذ عين الميت لترقيع قرنية عين المكفوف يحقق مصلحة ترجح مصلحة المحافظة على الميت جاز ذلك شرعا، لأن الضرر الذى يلحق بالحى المضطر لهذا العلاج أشد من الضرر الذى يلحق بالميت الذى تؤخذ عينه بعد وفاته، وليس فى هذا ابتذال للميت ولا اعتداء على حرمته المنهى عنه شرعا، لأن النهى إنما يكون إذا كان التعدى لغير مصلحة راجحة أو لغير حاجة ماسة.
وقد ذهبنا إلى جواز ذلك فى تشريح جثث الموتى ممن لا أهل لهم قبل دفنهم فى مقابر الصدقة لتحقيق مصلحة عامة راجحة للناس إحياء لنفوسهم أو علاجا لأمراضهم أو لمعرفة أسباب الحوادث الجنائية التى تقع عليهم مستندين إلى ما سبق أن أوضحناه، وإلى أن القواعد الأصولية تقضى بإيجاب ما يتوقف عليه أداء الواجب.
فإذا أوجب الشارع شيئا تضمن ذلك إيجاب ما يتوقف عليه ذلك الشئ.
وعلى ذلك وتطبيقا لما ذهبنا إليه فى الإفتاء بجواز تشريح الجثث للموتى نقول بجواز سلخ قرنية عين الميت وتركيبها للكفيف شرعا إذا كان فى ذلك مصلحة للكفيف.
عن الموضوع الثانى - ظاهر من السؤال أن المراد الاستفسار عن حكم توكيل المحامى المدنى غير المسلم ليقوم بما يقوم به المحامى الشرعى ويتدخل تدخلا مباشرا فى الدفاع فى القضايا والأحكام الشرعية أى التوكيل بالخصومة.
وقد اتفق الفقهاء على أن التوكيل بالخصومة جائز من الخصم طالبا كان أو مطلوبا، لأنه يملك أن يباشرها بنفسه فيملك إسنادها إلى غيره ليقوم فيها مقامه، فإن الحاجة تدعو إلى ذلك، إما لقلة هدايته وإما لصيانة نفسه عن الابتذال فى مجلس الخصومة.
وقد كان الإمام على كرم الله وجهه إذا خوصم فى شئ من أمواله وكل عقيلا رضى الله عنه، ولما كبرت سن عقيل كان يوكل عبد الله بن جعفر، وقال هو وكيلى فما قضى عليه فهو على، وما قضى له فهو لى.
وكان يقول إن للخصومة فحما، وإن الشيطان ليحضرها، وإنى لأكره أن أحضرها.
وقال ابن قدامة الحنبلى هذه قصص اشتهرت لأنها فى مظنه الشهرة، ولم ينقل إنكارها.
وأخذ من ذلك إجماع الصحابة على جوازها. وقال السرخسى الحنفى.
وقد جرى الرسم على التوكيل على أبواب القضاة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير منكر ولا زجر زاجر، ومع اتفاق الفقهاء على أصل الجواز اختلفوا فقال مالك والشافعى وأحمد وابن أبى ليلى وأبو يوسف ومحمد يجوز التوكيل فى إثبات الحقوق والمخاصمة فيها صحيحا كان الموكل أو مريضا.
طالبا كان أو مطلوبا. شريفا كان أو وضيعا. رضى بذلك صاحبه أو لم يرض.
وقال أبو حنيفة إن التوكيل بالخصومة صحيح إلا إنه لا يلزمه بدون رضا الخصم إلا أن يكون الموكل مريضا أو غائبا مدة السفر أو امرأة مخدرة، فإنه إن كان معذورا بمثل هذه الأعذار جاز توكيله ولزم من غير رضا الخصم.
واتحاد الدين ليس شرطا فى صحة الوكالة عند الحنفية، فيصح أن يوكل المسلم الذمى، والذمى المسلم فى الخصومة.
والردة لا تمنع صحة الوكالة عندهم أيضا، فلو وكل المسلم مرتدا جاز، لأن توقف تصرفات المرتد لتوقف ملكه وهو إذا كان وكيلا لا يتصرف فى ملكه، بل يتصرف فى ملك الموكل وهو نافذ التصرفات.
أما اختلاف الدارين فهو مانع من صحة الوكالة عندهم بالنسبة لغير المسلمين.
فلو وكل المسلم أو الذمى فى دار الإسلام حربيا فى دار الحرب، أو وكل الحربى أحدهما فالوكالة باطلة.
سواء كان مدعيا أو مدعى عليه، كما لا يصح أن يحضر وكيلا عن الحربى حربى مستأمن فى دار الإسلام.
وعند الإمام أحمد كل من صح تصرفه فى شئ بنفسه وكان مما تدخله النيابة صح أن يوكل فيه رجلا أو امرأة حرا أو عبدا مسلما أو كافرا، سواء أكان هذا الكافر ذميا أو مستأمنا أو حربيا أو مرتدا.
وفى فروع المالكية إن توكيل الذمى على استخلاص دين له على مسلم ممنوع.
لأنه ربما أغلظ له وشق عليه فى الطلب وإن كان غير ذلك فلا منع وإن توكيل المسلم للذمى فى البيع والشراء وتقاضى الدين ممنوع، لأنه لا يعرف الشروط ولا يتحرى وقد يتعمد مخالفتها إذا عرفها.
وقال الدسوقى فى حاشيته. لا يمنع توكيله إلا فى هذه الثلاثة، ومقتضى ذلك جواز توكيل المسلم الذمى فى الخصومة وإن كان مقتضى تعليل المنع فى الأمور الثلاثة بأنه لا يعرف الشروط ولا يتحرى وقد يتعمد مخالفتها إذا عرفها - ألا يصح التوكيل فى الخصومة وعند الشافعية.
من صح منه مباشرة الشئ صح توكيله فيه غيره، وأن يوكل فيه عن غيره.
واستثنوا من الثانى توكيل الكافر فى شراء المسلم ويصح فى الأصح مع امتناع شرائه لنفسه، وكذلك توكيله فى طلاق المسلمة يصح فى الأصح (الأشباه والنظائر للسيوطى) فى فقه الشافعية.
صفحة ٥٧٢، ٥٧٣. ومقتضى التعميم فى بيان الحكم.
وظاهر الفروع التى سيقت على سبيل الاستثناء من الشق الثانى أن اختلاف الدين لا يمنع من صحة الوكالة عند الشافعية.
ونتيجة ذلك كله أن توكيل المسلم أو الذمى غير المسلم فى الخصومة جائز.
وتطبيقا على ذلك يجوز توكيل المحامى المدنى غير المسلم فى الدفاع فى القضايا والأحكام الرعية وقيامه مقام المحامى الشرعى فيما ذكر.
والله تعالى أعلم