[الصلح مع اليهود. والمعاهدات مع الدول المعادية]
المفتي
حسن مأمون.
جمادى الأولى ١٣٧٥ هجرية - ٨ يناير ١٩٥٦ م
المبادئ
١ - هجوم العدو على بلد إسلامى يوجب على أهلها الجهاد ضده بالقوة، وهو فى هذه الحالة فرض عين.
٢ - يتعين الجهاد فى ثلاثة أحوال عند التقاء الزحفين، وعند نزول الكفار ببلد، وعند استنفار الإمام لقوم للجهاد حيث يلزمهم النفير.
٣ - الاستعداد للحروب الدفاعية واجب على كل حكومة إسلامية.
٤ - ما فعله اليهود بفلسطين اعتداء على بلد إسلامى يوجب على أهليه أولا رده بالقوة، كما يوجبه ذلك ثانيا على كل مسلم فى البلاد الإسلامية.
٥ - الصلح مع العدو على أساس رد ما اعتدى عليه إلى المسلمين جائز، أما إن كان على أساس تثبيت الاعتداء فهو باطل شرعا.
٦ - موادعة أهل الحرب أو جماعة منهم جائزة شرعا، ولكن بشرط أن تكون لمدة معينة، وأن يكون فيها مصلحة للمسلمين، فإن لم تكن فيها مصلحة فهى غير جائزة بالإجماع.
٧ - قوله تعالى {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله} وإن كانت مطلقة لكن إجماع الفقهاء على تقييدها برؤية مصلحة للمسلمين فى ذلك أخذا من قوله تعال ولا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون.
٨ - المعاهدات التى يعقدها المسلمون مع دول أخرى غير إسلامية جائزة شرعا إذا كانت فيها مصلحة للمسلمين، أما إذا كانت لتأييد دولة معتدية على بلد إسلامى فإنها تكون تقوية لمن اعتدى، وذلك غير جائز شرعا.
٩ - لليهود فى فلسطين موقف خاص، فهم موجودون بها بحكم سياسى هو الهدنة التى فرضتها الدول على الفريقين، ونزلت الحكومات الإسلامية على حكمها غلى حين وجود حل عادل للمسألة.
١٠ - ما فعله المسلمون من منع السلاح والذخيرة عن اليهود بعدم السماح بمرور ناقلاتها فى بلادهم جائز ولا شىء فيه، وإن كان اليهود يعتبرون ذلك اعتداء عليهم
السؤال
من السيد /.
قال ما بيان الحكم الشرعى فى الصلح مع دولة اليهود المحتلة.
وفى المحالفات مع الدول الاستعمارية والأجنبية المعادية للمسلمين والعرب والمؤيدة لليهود فى عدوانهم
الجواب
يظهر من السؤال أن فلسطين ارض فتحها المسلمون وأقاموا فيها زمنا طويلا، فصارت جزءا من البلاد الإسلامية أغلب أهلها مسلمون، وتقيم معهم أقلية من الديانات فصارت دار إسلام تجرى عليها أحكامها وأن اليهود اقتطعوا جزءا من أرض فلسطين وأقاموا فيه حكومة لهم غير إسلامية وأجلوا عن هذا الجزء أكثر أهله من المسلمين.
ولأجل أن نعرف حكم الشريعة الإسلامية فى الصلح مع اليهود فى فلسطين المحتلة دون نظر إلى الناحية السياسية - يجب أن نعرف حكم هجوم العدو على أى بلد من بلاد المسلمين هل هو جائز أو غير جائز.
وإذا كان غير جائز فما الذى يجب على المسلمين عمله إزاء هذا العدوان - إن هجوم العدو على بلد إسلامى لا تجيزه الشريعة الإسلامية مهما كانت بواعثه وأسبابه، فدار الإسلام يجب أن تبقى بيد أهلها ولا يجوز أن يعتدى عليها أى معتد، وأما ما يجب على المسلمين فى حالة العدوان على أى بلد إسلامى فلا خلاف بين المسلمين فى أن جهاد العدو بالقوة فى هذه الحالة فرض عين على أهلها يقول صاحب المغنى يتعين الجهاد فى ثلاثة - الأول إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان - الثانى إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم - الثالث إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير ولهذا أوجب الله على المسلمين أن يكونوا مستعدين لدفع أى اعتداء يمكن أن يقع على بلدهم.
قال الله تعالى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} الأنفال ٦٠، فالاستعداد للحرب الدفاعية واجب على كل حكومة إسلامية ضد كل من يعتدى عليهم لدينهم، وضد كل من يطمع فى بلادهم، فإنهم بغير هذا الاستعداد يكونون أمة ضعيفة يسهل على الغير الاعتداء عليها.
والخلاف بين العلماء فى بقاء الجهاد أو عدم بقائه وفى أنه فرض عين أو فرض كفاية - إنما هو فى غير حالة الاعتداء على أى بلد إسلامى، أما إذا حصل الاعتداء فعلا على أى بلد إسلامى فإن الجهاد يكون فرض عين على أهلها.
وقد بحث موضوع الجهاد الحافظ بن حجر وانتهى إلى أن الجهاد فرض كفاية على المشهور، إلا أن تدعو الحاجة إليه كأن يدهم العدو، وإلى أن التحقيق أن جنس جهاد الكفار متعين على كل مسلم إما بيده وإما بلسانه وإما بماله وإما بقلبه.
وعلى ضوء هذه الأحكام يحكم على ما فعله اليهود فى فلسطين بأنه اعتداء على بلد إسلامى يتعين على أهله أن يردوا هذا الاعتداء بالقوة حتى يجلوهم عن بلدهم ويعيدوها إلى حظيرة البلاد الإسلامية وهو فرض عين على كل منهم، وليس فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين.
ولما كانت البلاد الإسلامية تعتبر كلها دارا لكل مسلم فإن فرضية الجهاد فى حالة الاعتداء تكون واقعة على أهلها أولا، وعلى غيرهم من المسلمين المقيمين فى بلاد إسلامية أخرى ثانيا.
لأنهم وإن لم يعتد على بلادهم مباشرة إلا أن الاعتداء قد وقع عليهم بالاعتداء على بلد إسلامى هى جزء من البلاد الإسلامية وبعد أن عرفنا حكم الشريعة فى الاعتداء على بلد إسلامى يمكننا أن تعرف حكم الشريعة فى الصلح مع المعتدى هل هو جائز أو غير جائز والجو اب إن الصلح إذا كان على أساس رد الجزء الذى اعتدى عليه إلى أهله كان صلحا جائزا، وإن كان على إقرار الاعتداء وتثبيته فإنه يكون صلحا باطلا لأنه إقرار لاعتداء باطل، وما يترتب على الباطل يكون باطلا مثله.
وقد أجاز الفقهاء الموادعة مدة معينة مع أهل دار الحرب أو مع فريق منهم إذا كان فيها مصلحة للمسلمين.
لقوله تعالى {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله} الأنفال ٦١، وقالوا إن الآية وإن كانت مطلقة لكن إجماع الفقهاء على تقييدها برؤية مصلحة للمسلمين فى ذلك بآية أخرى هو قوله تعالى {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون} محمد ٣٥، فأما إذا لم يكن فى الموادعة مصلحة فلا تجوز بالإجماع.
ونحن نرى أن الصلح على أن تبقى البلاد التى سلبها اليهود من فلسطين تحت أيديهم وعلى عدم إعادة أهلها إليها لا يحقق إلا مصلحتهم، وليس فيه مصلحة للمسلمين.
ولذلك لا نجيزه من الوجهة الشرعية إلا بشروط وقيود تحقق مصلحة المسلمين أما هذه الشروط والقيود فلا تتعرض لها، لأن غيرنا ممن اشتغل بهذه القضية أقدر على معرفتها وبيانها على وجه التفصيل منا والجواب عن السؤال الثانى إن الأحلاف والمعاهدات التى يعقدها المسلمون مع دول أخرى غير إسلامية جائزة من الناحية الشرعية إذا كانت فى مصلحة المسلمين.
أما إذا كانت لتأييد دولة معتدية على بلد إسلامى كاليهود المعتدية على فلسطين فإنه يكون تقوية لجانب المعتدى يستفيد منه هذا الجانب فى الاستمرار فى اعتدائه، وربما فى التوسع فيه أيضا، وذلك غير جائز شرعا ونفضل على هذه الأحلاف أن يتعاون المسلمون على رد أى اعتداء يقع على بلادهم، وأن يعقدوا فيما بينهم عهودا وأحلافا تظهرهم قولا وعملا يدا واحدة تبطش بكل من تحدثه نفسه بأن يهاجم أى بلد إسلامى.
وإذا أضيف إلى هذه العهود والمواثيق التى لا يراد منها الاعتداء على أحد وإنما يراد منها منع الاعتداء السعى الحثيث - بكل وسيلة ممكنة فى شراء الأسلحة من جميع الجهات التى تصنع الأسلحة، والمبادرة بصنع الأسلحة فى بلادهم لتقوية الجيوش الإسلامية المتحالفة.
فإن ذلك كله يكون أمرا واجبا وضروريا لضمان السلام الذى يسعى إليه المسلم، ويتمناه لبلده ولسائر البلاد الإسلامية بل ولغيرها من البلاد غير الإسلامية.
ويظهر أن لليهود موقفا خاصا فلم يعقد مع أهل فلسطين ولا أية حكومة إسلامية صلحا ولم تجل بعد عن الأرض المحتلة وهى موجودة بحكم سياسى.
وهو الهدنة التى فرضتها الدول على الفريقين، ونزلت على حكمها الحكومات الإسلامية إلى أن يجدوا حلا عادلا للمسألة، ولم يرض بها اليهود ونقضوها باعتداءاتهم المتكررة التى لم تعد تخفى على أحد.
وكل ما فعله المسلمون واعتبره اليهود اعتداء على حقوقهم هو محاصرتهم ومنع السلاح والذخيرة التى تمر ببلادهم عنهم.
ولأجل أن نعرف حكم الشريعة فى هذه المسألة نذكر أن ما يرسل إلى أهل الحرب نوعان.
النوع الأول السلاح وما هو فى حكمه. الثانى الطعام ونحوه وقد منع الفقهاء أن يرسل إليهم عن طريق البيع السلاح، لأن فيه تقويتهم على قتال المسلمين، وكذا الكراع والحديد والخشب وكل ما يستفاد به فى صنع الأسلحة سواء حصل ذلك قبل الموادعة أو بعدها، لأنها على شرف النقض والانقضاء فكانوا حربا علينا، ولا شك أن حال اليهود أقل شأنا من حال من وادعهم المسلمون مدة معينة على ترك القتال، وعلى فرض تسمية الهدنة موادعة فقد نقضها اليهود باعتداءاتهم ونقض الموادعة من جانب يبطلها ويحل الجانب الآخر منها - وأما النوع الثانى فقد قالوا إن القياس يقضى فى الطعام والثوب ونحوهما بمنعها عنهم إلا أنا عرفنا بالنص حكمه وهو أنه صلى الله عليه وسلم أمر ثمامة أن يمير أهل مكة وهم حرب عليه - وقد ورد النص فيمن تربطه بالنبى صلة الرحم ولذلك أجابهم إلى طلبهم بعد أن ساءت حالتهم.
وليس هذا حال اليهود فى فلسطين. ولذلك نختار عدم جواز إرسال أى شىء إليهم أخذا بالقياس، فإن إرسال غير الأسلحة إليهم يقويهم ويغريهم على التشبث بموقفهم الذى لا تبرره الشريعة.
والله تعالى أعلم