للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القرعة]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

قد تلجا بعض الجهات إلى عمل قرعة لتوزيع جائزة على بعض من قدموا عملا يستحق الجائزة، فهل هذا مشروع؟

الجواب

القرعة جائزة شرعا، لأنها تُعَينَ، لا تحرم ولا تحلل وهى معروفة من قديم الزمان، ومن حوادثها:

أ- القرعة فيمن يكفل مريم، كما قال تعالى {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} آل عمران: ٤٤.

ب - القرعة فيمن يرمونه من السفينة التى ركبها يونس. فى قال تعالى {فساهم فكان من المدحضين} الصافات ١٤١.

ج - صح أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج عليها السهم سافر بها.

د - وروى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم عرض علي، قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم فى اليمين أيهم يحلف.

ط -جاء فى السنن ومسند أحمد أن رجلين تداعيا فى دابة ليس لواحد منهما بينة، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسهما على اليمين، أحبا أو كرها.

و وفيهما أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا كره الاثنان اليمين أو استحباها فليستهما عليها ".

ز- وجاء فى السنن عن أم سلمة رضى الله عنها: أن رجلين اختصما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فى مواريث بينهما درست، ليس بينهما بينة، فقال "إنكم تختصمون إلى، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، وإنما أقض بينكم على نحو ما أسمع، من قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه،، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتى بها أسطاما فى عنقه يوم القيامة " فبكى الرجلان وقال كل منهما: حقى لأخى، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم " أما إذ قلتما فاذهبا فاقتسما ثم توخيا الحق ثم استهما عليه، ثم ليتحلل كل منكما صاحبه " الاسطام جمع سطام وهو حد السيف.

ح - وأقرع سعد بن أبى وقاص يوم القادسية بين المؤذنين " بدائع الفوائد لابن القيم " هذا، وهناك قرعة تجرى بين المتسابقين لأخذ جائزة، أو لإعطاء هدايا لمن يشترون بضاعة بثمن معين من محل تجارة، أو لأى غرض مباح، وهذه حلال لا حرمة فيها.

جاء فى تفسير القرطبى (ج ٤ ص ٨٦) أن القرعة أصل فى شرعنا لكل من أراد العدل فى القسمة، وهى سنة عند جمهور الفقهاء فى المستويين فى الحجة، ورد العمل بالقرعة أبو حنيفة وأصحابه وردوا الأحاديث الواردة فيها وزعموا أنها لا معنى لها وأنها تشبه الأزلام التى نهى الله عنها، وحكى ابن المنذر عن أبى حنيفة أنه جوزها، وقال: القرعة فى القياس لا تستقيم، ولكنا تركنا القياس فى ذلك وأخذنا بالأَثار والسنة، قال أبو عبيد: وقد عمل بالقرعة ثلاثة من الأنبياء: يونس وذكريا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال ابن المنذر: استعمال القرعة كالإجماع من أهل العلم فيما يقسم بين الشركاء، فلا معنى لقول من ردها.

وقد ترجم البخارى فى آخر كَتاب الشهادات " باب القرعة فى المشكلات " وقول الله عز وجل {إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} وساق حديث النعمان بن بشير فى مثل القائم فى حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة. وحديث أم العلاء الذىَ جاء فيه:

أن عثمان بن مظعون طار لهم سهمه فى السكتى حين اقترعت الأنصار سكنى المهاجرين، وحديث عائشة: كان النبى إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها.

ثم يقول القرطبى: وقد اختلفت الرواية عن مالك فى ذلك أى فى القرعة بين النساء فى السفر فقال مرة بالقرعة لحديث عائشة، وقال مرة:

يسافر بأوفقهن له فى السفر ثم ذكر القرطبى حديث " لو يعلم الناس ما فى النداء - الأذان - والصف الأول - فى صلاة الجماعة -ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا " أى أجروا القرعة، والأحاديث فى هذا المعنى كثيرة.

ثم تحدث عن رأى أبى حنيفة فى شأن زكريا وأزواج الرسول بأن القرعة كانت مما لو تراضوا عليه دون قرعة لجاز، قال ابن العربي: وهذا ضعيف لأن القرعة إنما فائدتها استخراج الحكم الخفى عند التشاح - التنازع -ولا يصح لأحد أن يقول: إن القرعة تجرى مع موضع التراضى، فإنها لا تكون أبدا مع التراضى، بل تكون فيما يتشاح الناس فيه ويُضَنَّ به

<<  <  ج: ص:  >  >>