للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[زيارة القبور، وحكم الموسيقى، وشرب الدخان]

المفتي

عبد الرحمن قراعة.

شوال ١٣٤٤ هجرية ١٢ مايو ١٩٢٦ م

المبادئ

١ - زيارة القبور مندوب إليها دون مس ولا تقبيل ولا طواف.

٢ - شرب الدخان لم يكن موجودا فى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - ولا فى عهد خلفائه الراشدين ولا الصحابة والتابعين لهم بإحسان وإنما حدث فى القرون الأخيرة.

٣ - اختلف فيه العلماء اختلافا كثيرا فمنهم من قال بحومته ومنهم من ذهب إلى إنه مكروه.

ومنهم من قال بإباحته. وأعدل الأقوال هو القول بكراهته فينبغى تركه وعدم الإصرار على تعاطيه، فإن الإصرار على الصغائر يقبلها كبائر.

٤ - أما الموسيقى فحكمها من جهة الإيقاع والاستماع حكم اللهو واللعب والعبث، وهو الكراهة التحريمية.

ولم يستن إلا ضرب الدف فى الأعراس، والأعياد الدينية، وإلا ملاعبة الرجل زوجه، وتأديبه لفرسه ومناضلته بقوسه

السؤال

بخطاب سعادة وكيل الداخلية الرقيم ٢٧ شوال سنة ١٣٤٤ - ١٠ مايو سنة ١٩٢٦ صورته.

نتشرف بأن نبعث لفضيلتكم برفق هذا صورة من التلغراف المرسل من حضرة صاحب الجلالة ملك الحجاز وسلطان نجد لحضرة صاحب الدولة وزير الداخلية.

رجاء الاطلاع عليه والتكرم بالإفادة عما تقضى به الشريعة الغراء نحو ما جاء به وتفضلوا فضيلتكم بقبول فائق احترامنا.

والمرجو التكرم أيضا بالإفادة عما إذا كان مع ما ذكره جلالة الملك ابن سعود فيما يتعلق بالموسيقى وشرب الدخان وزيارة القبور يباح الحج أولا وتفضلوا فضيلتكم بقبول وافر احترامى.

صورة التلغراف حضرة صاحب الدولة وزير الداخلية بمصر استلمت البرقيتين بشأن المحمل المصرى هذا العام.

قابلت جلالة ابن السعود وقرأت على مسمعه بحضور وزيريه كل رغبات الحكومة المصرية وسلمته كتابا حاويا كل ما جاء بالبرقية وصلى الرد الآتى حضرة صاحب العزة القائم بأعمال القنصلية المصرية بحدة السلام عليكم ورحمه الله وبركاته وبعد لقد تناولت كتابكم المؤرخ ١٩ شوال وإجابة لرغبة حكومة صاحب الجلالة ملك مصر.

نوضح لكم الحالة توضيحا تاما فيما يلى أولا أقدم شكرى الجزيل لحكومة مصر ومليكها لحسن تعطفاتها وتقديرها حسن مساعينا التى نبذلها لخدمة الحجاج والزوار واننا لا نحمل لمصر ومليكها إلا كل محبة وإجلال واحترام لما له من الأيادى البيضاء على الإسلام والعرب، ولقد سررت جدا لمقابلة حكومته قول أهل الإفك والبهتان بالاحتراس والحذر.

ثانيا إننا لم نقبل القيام بأعباء إدارة هذه البلاد إلا لإعلاء كلمة الله، والقضاء على البدع الباطلة، وتطهير بلد الله الحرام من كل أمر يخل بمركزها الدينى، وأن البلاد التى كانت مهبط الوحى ومبعث النور الإسلامى يجب أن ترجع لعهدها الأول، وأن مصر ذات المركز الممتاز فى العالم الإسلامى، والتى يدين لها المسلمون والعرب بالأفكار الناضجة والرغبة إلى الإصلاح إنى أعتقد أنها تكون أكبر مساعد وعضد فيما نريد من الإصلاح ثالثا إن الأمن ولله الحمد مستتب فى الحجاز كله، وأن الحجاج بفضل الله لم تتمتع بالأمن فى جميع حياتها مثل تمتعها الحالى، ولا بد أن مساعد أمير الحج المصرى البكباشى عبد الرحمن بك إبراهيم محدث حكومة مصر بما شاهد وسمع رابعا إن القوة المعتاد إرسالها مع الحمل والتى بينتموها فى كتابكم وما يتبعها من البعثات الطبية لا اعتراض لنا عليه، وسنقوم بواجبنا إزاءه من توفير وسائل الراحة له.

والمحافظة عليهم أنم محافظة، وإجلالهم واحترامهم فى كل مكان يحلون فيه وكذلك لا ترى حكومة الحجاز مانعا من اشتراك مندوبيها مع أمير الحج المصرى فى توزيع القمح والمرتبات على الفقراء والمستحقين، ونحن لا قصد لنا إلا إيصال الخير لأهله خامسا إننا لا نتداخل فى عقائد الناس فهم موكولون إلى خالقهم، ولكن ما يظهر من الأعمال التى تخالف أصول الشريعة، ولا تتفق مع تعاليم الأئمة المجتهدين وعمل السلف الصالح ندعو المخالف إلى الطريق القويم، ونرى أنفسنا مسئولين أمام الله عن سكوتنا على المعاصى وانتهاك الحرمات، وهذا بلا شك سيقابل من حكومة مصر وعلماء مصر ذوى الغيرة الدينية بكل ارتياح.

سادسا إننا لا نمنع أحدا من زيارة القبور على الوجه المعروف فى كتب السنة، ولكن الغلو فى التمسح بالقبور والصلاة عندها والطواف عليها وغير ذلك مما يأتيه الجهلة وينكره عموم العلماء وعلى الأخص علماء مصر لا يسعنا إلا تنبيه الجهلة وإيقافهم عند حد الشريعة، وذلك قياما بما يفرضه علينا الدين من إبداء النصيحة لإخواننا المسلمين - سابعا أما مسألة الموسيقى والدخان فهى من المسائل التى أحب أن ألفت نظر حكومة صاحب الجلالة ملك مصر إليها والتى أود من صميم فؤادى أن تقابل بالموافقة والارتياح حفظا لأواصر الصداقة التى أحرص عليها كل الحرص وأن الآمال الكبيرة التى لنا فى مصر والغاية السامية التى يسعى إليها الجميع لا يصح أن تكون أمثال هذه المسائل عقبة فى طريقها، وعهدى بمصر وحكومتها الحكيمة، وبعد النظر وتقدير الظروف والزمن بما يناسبه أن الموسيقى يعتبرها فريق كبير من أهل نجد وغيرهم من الملاهى التى إن صح أن تكون مسلية للجند ومكملة لنظامهم فى السير، فلا يليق أن تستعمل فى أماكن العبادة مثل مكة ومنى وعرفات الأماكن التى يكثر فيها التلبية والذكر والنسك وأنا لا أحب أن تظهر حكومة مصر المحبوبة إلا بالمظاهر المتفقة مع مكانتها فى العالم الإسلامى، وليس لدى من مانع من استصحاب الموسيقى إلى جدة، وإنى لا أشك أن حكومة مصر التى نحرص كل الحرص على رضائها والتى ينظر إليها العرب نظرهم إلى الزعيم البعيد النظر لا نلاحظ شعور فريق من المسلمين بما يمس شرفها وكرامتها، بل بالعكس إن هذا الأمر مما يزيدنا محبة فى مصر، ويقوى مركزها، لا فى قلوب العرب فقط بل فى قلوب المسلمين أجمعين.

أما مسألة الدخان فهو من الشجر الخبيث الذى يجب أن تطهر منه البلاد المقدسة التى يجب أن يحرق فيها العود والصندل والسند.

ولذا فاحتراما لحرمة هذه البقاع منعنا شرب الدخان جهرا، وما ابتلى بشىء منه وتستر فى بليته فلا سبيل لنا عليه.

إن مصر أحرص منا على تطهير البلاد المقدسة من كل ما يدنسها، ولئن فات العامة بعض المصالح فالعلماء والحكومات الرشيدة لا يفوتها شىء من ذلك، إنى من أحرص الناس على المحافظة على العادات والتقاليد إلا ما خالف الشريعة منها، وإنى لعلى ثقة تامة من أن حكومة مصر التى أظهرت لها فى فرص مختلفة عظيم احترامى لها وشدة محبتى لأهلها وسعي فى اتحادى معها مما يرفع شأن الإسلام والمسلمين ستقابل ذلك بمثله.

والله يوفق الجميع لما فيه رضاه. هذا وتقبلوا فائق احتراماتى، ملك الحجاز وسلطان نجد ٠ ختم جلالته - إنى يا صاحب الدولة ننتظر التعليمات بالبرق لنهو هذه المسألة بما يرضى حكومتنا بعد فحصها هذا البيان من حكومة الحجاز

الجواب

علم ما جاء بخطاب سعادتكم رقم ١٠ مايو سنة ١٩٢٦ نمرة ٩١ إدارة المرافق له صورة من التلغراف المرسل من حضرة صاحب الجلالة ملك الحجاز وسلطان نجد لحضرة صاحب الدولة وزير الداخلية بمصر المطلوب به الإفادة منا عما تقضى به الشريعة الغراء فيما اشتملت عليه صورة التلغراف من الموضوعات والإفادة أيضا عما يتبع فى إقامة الحج أولا فى هذا العام مع ما ذكره صاحب الجلالة الملك ابن السعود - وبالنظر فيه وجدنا أن ما يصلح موضعا للاستفتاء هو ما جاء بالوجهين السادس والسابع مما يتعلق بزيارة القبور والموسيقى والدخان على الوجه المذكور بتلك الصورة.

فأما ما يتعلق بزيارة القبور فنقول إنها مندوب إليها شرعا بقوله صلى الله عليه وسلم (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزورها) .

وكان النبى. صلى الله عليه وسلم يزور قبور المسلمين ببقيع الفرقد ويقول (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله لكم لاحقون.

اسأل الله لى ولكم العافية) وكان يزور شهداء أحد على رأس كل حول ويقول (السلام عليكم بما صبر تم فنعم عقبى الدار) - ونقل محشى إمداد الفتاح عن القهستانى ما نصه قال فى الإحياء (والمستحب فى زيارة القبور أن يقف مستدبر القبلة مستقبلا وجه الميت وأن يسلم ولا يمسح القبر ولا يقبله ولا يمسه) وبين الفقهاء جملة مما يكره عند زيارة القبور ثم أجملوا ذلك بقولهم (وكذا كل ما لم يعهد من غير فعل السنة) وهى قاعدة كلية ينبغى تطبيقها على أى فعل لم يعهد فى السنة وقد مثلوا له بالمس والتقبيل.

ومعلوم أنه لم يعهد من فعل السنة الطواف بغير الكعبة - وأما ما يتعلق بشرب الدخان فنقول إنه لم يكن موجودا فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد خلفائه الراشدين ولا الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا فى زمن الأئمة المجتهدين.

وإنما حدث فى القرون الأخيرة، واختلف العلماء فيه اختلافا كثيرا، فمنهم من قال بحرمته عملا بحديث أحمد المروى عن أم سلمة رضى الله تعالى عنها (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر وقال إنه إن لم يكن مسكرا كان مفترا) وجنحوا مع هذا إلى نهى ولى الأمر عنه، والقواعد الفقهية تقضى أن ولى الأمر لو نهى عن مباح لمصلحة دينية حرم.

ومنهم من ذهب إلى أنه مكروه نظرا لما فيه من الضرر الظاهر للأبدان وإضاعة الأموال - ومنهم من لا يرى أنه مفتر فقال بإباحته أخذا بالقاعدة العامة، وهى أن الأصل فى الأشياء الإباحة أو التوقف.

ورد على من قال بالحرمة أو الكراهة بأنهما حكمان شرعيان لا يثبتان إلا بدليل ولم يوجد.

والذى يظهر أن أعدل الأقوال هو القول بالكراهة، فينبغى تركه وعدم الإصرار على تعاطيه.

فإن الإصرار على الصغائر يقلبها كبائر - وأما الموسيقى فحكمها من جهة الإيقاع والاستماع حكم اللهو واللعب والعبث وهو الكراهة التحريمية.

فإن فقهاءنا نصوا على كراهة كل لهو كالرقص والسخرية والتصفيق وضرب الأوتار من الطنبور والبربط والرباب والقانون والمزمار والصنج والبوق.

فإنها كلها مكروهة تحريما ولم يستثن من ذلك إلا ضرب الدف فى الأعراس والأعياد الدينية وإلا ملاعبة الرجل زوجه وتأديبه لفرسه ومناضلته بقوسه.

هذا ونرى أن تأخذ حكومتنا السنية حرسها الله تعالى بتسهيل أمر الحج عن المسلمين.

والسلام عليكم ورحمة الله

<<  <  ج: ص:  >  >>