ما رأى الدين فى الاحتفالات التى تقام بمناسبة وفاء النيل؟
الجواب
وفاء النيل وهو زيادة مائه إلى حد معين يبشر بالخير ووفرة المحصول أمر كان يهتم به المصريون من قديم الزمان، ابتهاجا بوفرة الماء، كما كانوا يبتهجون بأعياد الحصاد والربيع والمناسبات الخاصة بالزراعة. وقدَّسوا النيل حتى جعلوه إلها يتقربون إليه بأنواع القربات التى منها إلقاء عروس مزينة فيه وسط احتفال كبير، فى شهر توت أو مسرى كل عام.
ولما فتحت مصر أبطل المسلمون هذه العادة جاء فى "بدائع الزهور لابن إياس" ج ١ ص ١٣ من المختار طبعة الشعب: قال ابن عبد الحكم: لما استقر عمرو بن العاص بمصر جاء إليه القبط وقالوا له: أيها الأمير أن لنيلنا سُنَّة كل سنه لا يجرى إلا بها، فقال لهم: وما هى؟ فقالوا: إذا كانت ليلة اثنتى عشره من شهر بؤونة من الشهور القبطية عمدنا إلى جارية بكر وأخذناها من أبويها غصبا أو رضاء وجعلنا عليها الحلى والحلل ثم ألقيناها فى بحر النيل فى مكان معلوم.
فلما سمع عمرو بن العاص ذلك قال لهم: هذا الأمر لا يكون فى الإسلام أبدا. فأقام أهل مصر شهر بؤونة وأبيب ومسرى وتوت من الشهور القبطية، ولم يجر فيها النيل لا قليلا ولا كثيرا، فهمَّ أهل مصر بالجلاء. فلما أن رأى عمرو بن العاص ذلك كتب كتابا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأرسله على يد نجاب، فلما وصل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كتب بطاقة وأرسلها إلى عمرو بن العاص وأمره أن يلقيها فى بحر النيل، فلما وصلت إلى عمرو بن العاص فتح تلك البطاقة وقرأ ما فيها وإذا فيها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر بن الخطاب إلى نيل مصر، أما بعد، فإن كنت تجرى مِنْ قبلك فلا تجر، وإن كان الله تعالى الواحد القهار هو الذى يجريك فنسأل الله تعالى أن يجريك.
فلما وقف عمرو على ما فى البطاقة ألقاها فى النيل كما أمره أمير المؤمنين عمر، وقد ألقاها فى النيل قبل عيد الصليب بيوم واحد، وعيد الصليب يكون سابع عشر توت من الشهور القبطية، وكان قد أجلى غالب أهل مصر من عدم جريان الماء فلما أصبح الناس يوم عيد الصليب رأوا النيل زاد فى تلك الليلة ستة عشر ذراعا فى دفعة واحدة، وقد قطع الله تلك السنَّة السيئة عن أهل مصر ببركة أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضى الله عنه.
وفى أيام الضعف الإسلامى عاد الاحتفال بوفاء النيل بمراسم لا تتفق مع الدين، وتنبه الغيورون على الدين إلى خطورتها فعملوا على إبطالها، كانوا يكتفون بإلقاء تمثال لعروس فى النهر، ثم عمدوا إلى مسابقات للجمال بين الفتيات ومظاهر تتنافى مع الدين ومع واجب الشكر لله على وفاء النيل فاستنكرها علماء الدين.
يقول حسن عبد الوهاب عن هذه الاحتفالات: إنها تقلصت أخيرا، فأقيمت سنة ١٩٥٦ م فى الجيزة، حيث تحركت الباخرة " كريم " وصندل العقبة بالمدعوين إلى المعادى فى رحلة نيلية عادوا بعدها إلى القاهرة، وحررت حجة الوفاء ووقَّعها مفتى الديار المصرية لأول مرة فى مكتب محافظ القاهرة، وفى عام ١٩٥٨ م تحركت مركب العقبة من روض الفرج إلى " بسوس " ثم عادت، ووقع المندوبون حجة الوفاء بمحافظة مصر.
ومهما يكن من شىء فإن الاحتفال بوفاء النيل يجب أن يكون احتفالا بنعمة من أكبر نعم الله على مصر، وذلك بشكره سبحانه وحسن استخدام هذه المياه فى خير الناس، والبعد عن تلويثها والإسراف فيها. وليس هذا الشكر بمظاهر يرتكب فيها ما حرم الله "انظر دائرة معارف الشعب -المجلد الأول ص ٢٨٩ - ١ ٩ ٢" ففيها مظاهر كثيرة لهذا الاحتفال. وفى صفحة ٢٨٦: كلام عن مقياس النيل بالروضة والآيات القرآنية المنقوشة عليه، وانظر " الفتاوى الإسلامية - المجلد العاشر ص ٣٥٨٤" وفيها رد المفتى الشيخ جاد الحق عليه