هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يتعبد فى المسجد ولما سأله عمن يعوله قال أخوه، فقال:" هو أعبد منك "؟
الجواب
جاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى فى فضل الكسب والحث عليه ما نصه:
وروى أن عيسى عليه السلام رأى رجلا فقال: ما تصنع؟ قال: أتعبد، قال: من يعولك؟ قال: أخى، قال: أخوك أعبد منك.
قال الغزالى هذا الكلام ولم يجعله حديثا عن النبى صلى الله عليه وسلم، ومثل ذلك ما روى أن قوما من الأشعريين كانوا فى سفر، فلما قدموا على النبى صلى الله عليه وسلم قالوا: ما رأينا بعدك أفضل من فلان كان يصوم النهار، فإذا نزلنا قام الليل حتى نرتحل، فقال:" ومن كان يكفله ويخدمه "؟ قالوا: كلنا، فقال "كلكم أفضل منه " وهو موجود فى كتاب " العقد الفريد" لابن عبد ربه، وليس فيه سند له.
وتحدث الغزالى فى باب التوكل، وفصل أحوال المتوكلين، ثم ذكر أن الرجل المتوكل على الله إذا تعلق قلبه بالدنيا والكسب كان العمل له أفضل من الانقطاع عنه إلى التعبد والانزواء والكسل، أما إذا قوى إيمانه بالله وتوكل عليه، ولم يتعلق قلبه بالدنيا فالانقطاع إلى العبادة أفضل، على ألا يكون لأحد منَّة عليه فى شىء من رزقه.
ومع ذلك فالغزالى يتحدث عن عصره وله ظروفه، أما الآن فالواجب هو التنسيق بين عمل الدنيا وعمل الآخرة، فهما أمران لابد منهما، وذلك على نسق ما قال الله تعالى {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} القصص: ٧٧، وقوله تعالى {فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} الجمعة ١٠، وقول النبى صلى الله عليه وسلم "إن لربك عليك حقا ولبدنك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذى حق حقه " رواه البخارى.
وذلك ما يوحى إليه قوله تعالى فى قيام الليل والاقتصاد فيه {علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون فى سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه} المزمل: ٢٠، وتوضيح ذلك فى كتابى " الإسلام دين العمل "