قرأنا فى بعض الكتب أن الله لا يحاسب العلماء يوم القيامة، فهل هذا صحيح؟
الجواب
هناك تحذير شديد فى القرآن والسنة من عدم عمل الإِنسان بعلمه، وبخاصة إذا كان يعلِّم الناس الخير والبر، وينسى نفسه فلا يعمل الخير والبر، وكذلك من يعلِّم الناس غير مخلص لله فى ذلك، بل للرياء والسمعة، وهو من أول من تسعَّر بهم النار يوم القيامة كالذى يقاتل ليقال: إنه شجاع، ويتصدق ليقال: إنه جواد. والآيات والأحاديث فى ذلك معروفة.
لكن ذكر السفارينى فى كتابه غذاء الألباب "ج ١ ص ٢٩ " أنه روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "يجمع الله تعالى العلماء يوم القيامة ثم يقول: يا معشر العلماء، إنى لم أضع علمى فيكم إلا لعلمى بكم، ولم أضع علمى فيكم لأعذبكم، اذهبوا فقد غفرت لكم " قال ابن القيم فى كتابه " مفتاح دار السعادة " ص ١٢٨: وهذا وإن كان غريبا فله شواهد حسان، فقد ذكر ابن عبد البر عن عبد الله بن داود قال: إذا كان يوم القيامة عزل الله سبحانه العلماء عن الحساب، فيقول:
ادخلوا الجنة على ما فيكم، إنى لم أجعل علمى فيكم إلا لخير أردته بكم قال ابن عبد البر: وزاد غيره فى هذا الخبر: إن الله يحبس العلماء يوم القيامة فى زمرة واحدة، حتى يقضى بين الناس، ويدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يدعو العلماء فيقول: يا معشر العلماء إنى لم أضع حكمتى فيكم وأنا أريد أن أعذبكم، قد علمت أنكم تخلطون من المعاصى ما يخلط غيركم، فسترتها عليكم وغفرتها لكم، وإنما كنت أُعْبَدُ بفتياكم وتعليمكم عبادى، ادخلوا الجنة بغير حساب، ثم قال: لا معطى لما منع الله ولا مانع لما أعطى الله. قال ابن عبد البر: وروى نحو هذا المعنى بإسناد متصل مرفوع. وقال ابن القيم عن بعض السلف قال: بلغنى أنه إذا كان يوم القيامة توضع حسنات الرجل فى كفة وسيئاته فى كفة، فتميل سيئاته، فإذا أيس وظن أنها النار جاء شىء مثل السحاب حتى يقع مع حسناته فتميل حسناته، قال: فيقال له: أتعرف هذا من عملك؟ فيقول: لا، فيقال: هذا ما علَّمت الناس من الخير فعمل به من بعدك. انتهى ما نقله السفارينى.
إن حساب العلماء على التقصير ثابت بالقرآن والسنة الصحيحة، والأخبار المذكورة لا تصل فى القوة إلى درجة القرآن والسنة الصحيحة، فهى لا تفيد فى الأمور الغيبية من جهة الاعتقاد، وقد يقصد به الترغيب فى نشر العلم، وتجاوز الله عن بعض الهفوات فى مقابل ذلك كما قال سبحانه {إن الحسنات يذهبن السيئات} هود:
١١٤ مع العلم بقول الله سبحانه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: ٤٨ وهذه المغفرة المقيدة بالمشيئة تفيد فى الكبائر والصغائر، ومن الذي يدرى بأنه سيكون ممن تشملهم المشيئة بالمغفرة؟ فالواجب هو الالتزام بمنهج الله تعالى وتغليب الخوف على الرجاء، حتى لا تتغلب الشهوات والمغريات، وعند ضعف هذه المؤثرات وبخاصة فى أواخر العمر-الذى لا يعلم تماما- ينبغى تقوية الرجاء، كما قال علماء التوحيد، فيقوى الأمل فى الله ورحمته ليختم له بالحسنى