للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التلفيق للتقليد فى مسألة واحدة باطل]

المفتي

حسنين محمد مخلوف.

جمادى الثانية ١٣٧٣ هجرية - ١٠ فبراير ١٩٥٤ م

المبادئ

١ - الرجوع عن التقليد بعد العمل باطل اتفاق.

٢ - ليس للمقلد إبطال عين ما فعله بتقليد إمام آخر.

٣ - بوقوع الطلقة الثالثة تبين الزوجة من زوجها بينونة كبرى فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.

وقول أحد الشافعية بحلها له لبطلان العقد الأول لعدم مباشرة الولى له قول باطل

السؤال

طلق رجل زوجته ثلاث مرات فى أوقات متفرقة إثر نزاع بينه وبينها فى كل مرة وراجعها فى المرتين السابقتين - فما حكم الله فى هذه المرة وما رأى فضيلتكم فى قول أحد الشافعية إن العقد الأول باطل لأنه لم يتوله الولى الشرعى فيحل الموضوع على أساس عقد ومهر جديدين

الجواب

إنه بوقوع الطلقة الثالثة تبين هذه الزوجة من زوجها بينونة كبرى فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا ويدخل بها حقيقة ويطلقها وتنقضى عدتها.

وقول بعض الشافعية بعد وقوع الطلاق إن العقد الأول كان باطلا لعدم مباشرة الولى له قول باطل.

لأنه قد انعقد صحيحا على مذهب أبى حنيفة وترتبت عليه آثاره. والمنصوص عليه فى كتب الأصول أن الرجوع عن التقليد بعد العمل باطل اتفاقا.

ففى كتاب الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى ص ٣١٨ جزء رابع (إذا اتبع العامى بعض المجتهدين فى حكم حادثة من الحوادث وعمل بقوله فيها اتفقوا على أنه ليس له الرجوع عنه فى ذلك الحكم بعد ذلك إلى غيره) وفى مسلم الثبوت ص ٤٠٥ جزء ثان (لا يرجع المقلد عما عمل به اتفاقا) وفى جمع الجوامع وشرح الجلال المحلى عليه ص ٢٥٦ جزء ثان (وإذا عمل العامى بقول مجتهد فى حادثة فليس له الرجوع عنه إلى غيره فى مثلها، لأنه قد التزم القول بالعمل به، بخلاف ما إذا لم يعمل به، وقيل يلزمه العمل بمجرد الإفتاء فليس له الرجوع إلى غيره فيه، وقيل يلزمه العمل به بالشروع فى العمل بخلاف ما إذا لم يشرع الخ) وفى الدر المختار ص ٦٩ جزء أول (الرجوع عن التقليد بعد العمل باطل اتفاقا) وعلق على ذلك العلامة ابن عابدين فى حاشيته رد المختار بقوله (صرح بذلك المحقق ابن الهمام فى تحريره، ومثله فى أصول الآمدى وابن الحاجب وجمع الجوامع) ثم قال (فتحصل مما ذكرناه أنه ليس على الإنسان التزام مذهب معين، وأنه يجوز له العمل بما يخالف ما عمله على مذهبه مقلدا غير إمامه مستجمعا شروطه، ويعمل بأمرين متضادين فى حادثتين لا تعلق لواحدة منهما بالأخرى، وليس له إبطال عين ما فعله بتقليد إمام آخر لأن امضاء الفعل كإمضاء القاضى لا ينقض) وفى الدروحاشيته جزء ثان ص ٧٤٥ (حتى لو كان بلا ولى بل بعبارة المرأة أو بلفظ هبة أو بحضرة فاسقين ثم طلقها ثلاثا وأراد حلها بلا زوج يرفع الأمر لشافعى فيقضى به وببطلان النكاح أى فى القائم والآتى لافى المنقضى - بزازيه -) وعلق ابن عابدين على قوله (فيقضى) بقوله (فإن قضاءه ببطلان النكاح الأول سبب لحلها بلا زوج وإنما ذكر القضاء لتصير الحادثة الخلافية كالمجمع عليها) فالتلفيق للتقليد فى مسألة واحدة ممتنع قطعا.

وقد نص على ذلك أيضا العلامة ابن حجر فى كتابه التحفة فى باب النكاح بلا ولى ص ٢٤٠ جزء سابع وهو من علماء الشافعية المعتد بأقوالهم حيث جاء به (أنه لو ادعى بعد الثلاث عدم التقليد لم يقبل منه لأنه يريد بذلك رفع التحليل الذى لزمه باعتبار ظاهر فعله، وأيضا ففعل المكلف يصان عن الإلغاء لاسيما إن وقع منه ما يصرح بالاعتداد به كالتطليق ثلاثا) .

وفى التحفة أيضا (فمن نكح مختلفا فيه فإن قلد القائل بصحته أو حكم بها من يراها ثم طلق ثلاثا تعين التحليل وليس له تقليد من يرى بطلانه لأنه تلفيق للتقليد فى مسألة واحدة وهو ممتنع قطعا) .

ومن هذا يعلم أن الإفتاء بأن عقد زواج هذين الزوجين وقع باطلا غير صحيح، ولا يوافق مذهبا من المذاهب المعتبرة، وعلى هؤلاء الذين يتعرضون للفتوى فى مثل هذه الموضوعات الخطيرة المتصلة اتصالا وثيقا بالأعراض والأنساب بغير علم بفقه المذاهب أن يكفوا عن الإفتاء فيها حتى لا يقعوا فى الإثم.

والله اعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>