فى أحد الأعوام كان عندى ما يكفينى للحج زائدا على كل ما أحتاجه، ولكن شغلت ببعض الأعمال فأخرت الحج ثلاث سنوات ثم حججت.
فهل علىَّ إثم فى التأخير؟
الجواب
ذهب بعض العلماء إلى أن الحج واجب على الفور، وذهب بعضهم إلى أن وجوبه على التراخى، ومن القائلين بالفورية: أبو حنيفة ومالك وأحمد وبعض أصحاب الشافعى، وأبو يوسف من أصحاب أبى حنيفة فى رواية عنه، ومن القائلين بالتراخى الإمام الشافعى، ومحمد بن الحسن من أصحاب أبى حنيفة، وهو تحصيل مذهب مالك فيما ذكر ابن خويز منداد- كما فى تفسير القرطبى "ج ٤ ص ١٤٤ " أدلة الفورية قوله صلى الله عليه وسلم "من أراد الحج فليعجِّل، فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتكون الحاجة" أى الفقر، رواه أحمد والبيهقى وابن ماجه. وقوله "تعجلوا الحج، فإن أحدكم لا يدرى ما يعرض له " رواه أحمد والبيهقى وقال "ما يعرض له من مرض أو حاجة" وأدلة التراخى أن الحج فرض فى السنة الثالثة التى نزلت فيها سورة آل عمران وبها آية وجوب الحج أو فى السنة السادسة ولم يحج النبى صلى الله عليه وسلم إلا فى السنة العاشرة. يقول الشافعى: فاستدللنا على أن الحج فرضه مرة فى العمر، أوله البلوغ وآخره أن يأتى به قبل موته وكذلك من الأدلة حديث ضمام بن ثعلبة السعدى الذى قدم على النبى صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإسلام فذكر فيه الحج، وكان قدومه سنه خمس أو سبع أو تسع.
ورد القائلون بالفورية على ذلك بأن من شروط وجوب الحج الأمن، ولم يتوافر الأمن للرسول وأصحابه بعد صلح الحديبية فى السنة السادسة إلا فى السنة العاشرة، فبمقتضى الصلح لم يسمح بزيارة البيت إلا فى السنة السابعة لقضاء العمرة التى لم يتمكن منها فى السنة السادسة، وفى السنة الثامنة كان الفتح فى رمضان وشغل الرسول بحرب من هم قريبون من مكة، وفى السنة التاسعة أرسل أبا بكر على الحج لتهيئة البيت بإعلان منع المشركين من الحج بعد هذا العام ليحج الرسول فى السنة العاشرة ويخطب خطبة الوداع، مع اصطحاب زوجاته معه.
كما رد القائلون بالتراخى على أدلة الآخرين بأنها تحتمل الترغيب فى المبادرة لا تحريم التأخير، ويظهر أثر الرأيين فى أن من قدر على الحج ولم يحج كان آثما على القول بالفورية لو مات قبل أن يحج، وليس آثما على القول بالتراخى، مع الاتفاق بين الرأيين على أن من مات ولم يحج مع قدرته على الحج وجب أن يحج عنه غيره. ومع الاتفاق على أن من حج بعد التأخير لا يكون قاضيا لما فاته بل مؤديا