للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإسراء وفرض الصلاة]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

هل كان الإسراء فى أول البعثة، وهل فرضت الصلاة من أول عهد النبوة؟

الجواب

الصلوات الخمس المعروفة فرضت ليلة الإسراء وهذا باتفاق، لكن متى كان الإسراء،وهل كانت هناك صلاة قبل الإسراء؟ أما الإسراء فقد اختلف فى وقته اختلافا كبيرا، فقيل إنه كان قبل البعثة، كما فهم من رواية شريك عن أنس.

ولم يرتضى هذا القول الأكثرون، وحملوه على أنه كان إسراء بالروح فقط، كما كانت الرؤيا الصالحة سابقة للوحى فى أول عهد النبوة.

وصحت أحاديث برؤى منامية فيها مشاهد كالتى تروى فى قصة الإسراء، وقيل كان بعد البعثة ولكن فى أى عام؟ الأقوال كثيرة.

والذى عليه الجمهور أنه كان قبيل الهجرة بعام أو نحوه ولم يكن فى مبدأ البعثة، وفى هذا الإسراء وحده فرضت الصلوات المعروفة.

وأما أن هناك. صلاة كانت قبل المفروضة ليلة الإسراء فنعم، ولكن يجب أن يعلم أن الصلاة فى القرآن قد تطلق على معناها اللغوى وهو الدعاء ومنه قوله تعالى {وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} التوبة: ١٥٣، وقوله تعالى {إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} الأحزاب: ٥٦.

فالصلاة فى هذه الآية لا يمكن أن تكون هى الصلاة المعروفة ذات الركوع والسجود، وإنما هى دعاء أو استغفار أو رحمة.

والعرب فى الجاهلية كانت لهم صلاة وهى دعاء يدعون به عند التلبية والحج.

كما كانت لهم صلاة من نوع آخر يدل عليه قوله تعالى {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} الأنفال: ٣٥، والمكاء هو الصفير، والتصدية هى التصفيق.

فقيل: إن ذلك كان عبادة يتقربون بها، وقيل: إنه ضرب من التشويش على النبى صلى الله عليه وسلم وهو يصلى.

ويحتمل أن يكون الدعاء هو المراد من الصلاة فى قوله تعالى {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} الإسراء: ١١٥.

كما يحتمل أن يراد بها القراءة، وقد جاء هذا التفسير فى روايات صحيحة، ومن إطلاق الصلاة على القراءة الحديث القدسى الصحيح "قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين ولعبدى ما سأل، فإذا قال:

الحمد لله رب العالمين ... } فأطلق الصلاة على قراءة الفاتحة.

وكان قيام الليل فى أول مشروعيته بالقراءة، كما فى صدر سورة المزمل.

وحملوا الصلاة على الدعاء أو القراءة أيضا ما جاء فى حديث أحمد بسند صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بمنى حين مالت الشمس وصلت خلفه خديجة وعلى، ذلك أن الثابت من حديث عائشة أن خديجة توفيت قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء، وكانت وفاتها على الصحيح فى السنة العاشرة من النبوة.

ورأى جماعة أنه كانت هناك صلاة قبل الخمس التى فرضت ليلة الإسراء، وهى ركعتان بالعشى وركعتان بالإبكار، على ما يدل عليه قوله سبحانه {وسبح بحمد ربك بالعشى والإبكار} غافر:٥٥.

لكن ليس هناك دليل قوى على أن هذا التسبيح يراد به الصلاة ذات الركوع والسجود فلم لا يكون تسبيحا باللسان فقط ويدخل ضمن الدعاء الذى يطلق عليه اسم الصلاة.

وورد أن النبى صلى الله عليه وسلم عقب عودته من الطائف بموضع يقال له "نخلة" صلى الفجر مع بعض أصحابه، وذلك كان قبل ليلة الإسراء فما هذه الصلاة؟ قيل إنها من المفروضة أول النهار وآخره، وتسميتها بالفجر لوقوعها فى حينه أو قريبا منه، أو كانت صلاة ليل وقعت حول هذا الوقت، وقد يراد بها الدعاء، فليس ذلك دليلا على أن الصلوات الخمس فرضت قبل ليلة الإسراء.

يقول بعض الكاتبين: إن ابن مسعود حفظ سورة الإسراء التى فيها:

{ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} وكان قد هاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى سنة خمس من النبوة.

وعليه يكون الإسراء قد حصل قبل هذا التاريخ.

وبنوا هذا على أن ابن مسعود لم يتصل بالنبى صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى الحبشة إلا بعد الهجرة إلى المدينة حيث شهد غزوة بدر معه.

لكن ما الذى يقطع بعدم اتصاله به بعد هجرته إلى الحبشة؟ لقد جاء فى سيرة ابن هشام أن المهاجرين الأولين -إلى الحبشة عادوا لما جاءتهم أخبار بهدوء الحالة فى مكة، ولكن لما عرفوا أن الخبر غير صحيح رجعوا إلى الحبشة مرة ثانية، ومكث بعضهم فى مكة ولم يعد واستمر مع النبى حتى هاجر معه إلى المدينة.

وابن مسعود كان ممن بقى بمكة فلعله حفظ سورة الإسراء بعد عودته من الحبشة.

وابن هشام قال إنه بقى ولم يعد إلى الحبشة، وإن كانت بعض كتب السيرة والرجال تقول: إن هناك قولا أنه هاجر هجرتين إلى الحبشة.

والاحتجاج بحفظ ابن مسعود لسورة الإسراء وفيها الآية المذكورة قد يفيد إذا تعين أن الصلاة هى الصلاة المعروفة، ولكن تقدم أنه أريد بها الدعاء أو القراءة.

وقال بعض أيضا إن الزهرى قال: إن الإسراء وقع بعد البعثة بخمس سنين فالصلاة فرضت فى هذا الوقت، لكن النقل عن الزهرى مختلف، ففى نسخ أخرى غير ذلك.

وجاء فى فتح البارى لابن حجر عن الزهرى، أن الإسراء قبل الهجرة بخمس سنين فيكون بعد البعثة بثمان، وصحح بعضهم ذلك بأن السنوات الثلاث التى كانت الدعوة فيها سرا لم تحسب. وعلى هذا يكون الإسراء بعد البعثة بإحدى عشرة سنة.

بعد هذا أقول: إن تحديد عام الإسراء أو شهره أو ليلته ليس فيه كبير فائدة فى حياتنا الدينية.، فالإسراء قد حدث قطعا والصلوات الخمس قد فرضت قطعا، والخلاف فيما وراء ذلك لا طائل تحته.

واختيار المسلمين ليلة السابع والعشرين من رجب لذكرى الإسراء لا داعى للعدول عنه إلى موعد آخر، فالسؤال وارد أيضا على الاختيار الجديد.

ونحن على كل حال لم نكلف بمناسبة الإسراء بعبادة خاصة، وهى ليلة كانت مزيدا لتشريف النبى صلى الله عليه وسلم وصدق دعوته، والله أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>