للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وقف استحقاقى وتعارض بين نصين]

المفتي

حسن مأمون.

صفر ١٣٧٥ هجرية - ٦ أكتوبر ١٩٥٥ م

المبادئ

١ - قول الواقف (الطبقة العليا تحجب السفلى من نفسها دون غيرها بحيث يحجب كل أصل فرعه دون فرع غيره) يدل بمنطوقه على قصد الترتيب بين الطبقات ترتيبا خاصا هو ترتيب الفرع على أصله دون أصل غيره لا مطلق ترتيب طبقة سفلى على طبقة عليا.

٢ - قول الواقف (على أن من مات منهم وترك ولدا أو ولد ولد أو أسفل من ذلك انتقل نصيبه من ذلك إلى إخوته وأخواته المشاركين له فى الدرجة والاستحقاق) يدل صراحة على أن نصيب من مات بعد الاستحقاق عن أولاد لا ينتقل نصيبه لأولاده وإنما لإخوته، وهذا يتعارض مع قوله أولا (الطبقة العليا تحجب السفلى من نفسها دون غيرها بحيث يحجب كل أصل فرعه دون فرع غيره) .

٣ - إذا كان هناك تعارض بين نصين فى حجة الوقف ولا يمكن القول بنسخ الثانى منهما للأول لمخالفته لغرض الواقف ولعدم استاقه مع ما جرى عليه عرف الواقفين يحمل الثانى منهما على الخطأ من الواقف أو على جهل الموثق للوقف ولا دخل للواقف فيهو هذا يقتضى أن الثانى منهما منسوخا لا ناسخا متى تبين أن شروط الواقف وغرضه بالقرائن توجب إلغاءه

السؤال

من السيد / محمد شديد قال إن الست حسيبة بنت هريدى أنشأت وقفا أمام محكمة مديرية الجيزة الشرعية بتاريخ ١٠ سبتمبر سنة ١٩٠٨ على نفسها ثم من بعدها جعلته ثلاث حصص، فالحصة الأولى وقدرها تسعة قراريط من أربعة وعشرين قيراطا ينقسم إليها فاضل ريع الوقف خصت بها بنتها زعفران.

والحصة الثانية وقدرها تسعة قراريط أيضا خصت بها بنتها أسماء.

والحصة الثالثة والأخيرة خصت بها محمد مصطفى عثمان ابن نبتها هانم مصطفى.

ثم من بعد كل منهم فعلى أولاده ذكورا وإناثا بالسوية بينهم ثم على أولاد أولاده كذلك وهكذا وقفا مرتب الطبقات وبمنزلة أوقاف متعددة بعدد الموقوف عليهم وعدد الحصص.

الطبقة العليا منهم تحجب الطبقة السفلى من نفسها دون غيرها بحيث يحجب كل أصل فرعه دون فرع غيره يستقل به الواحد منهم إذا انفرد ويشترك فيه الاثنان فما فوقهما عند الاجتماع على أن من مات منهم وترك ولدا أو ولد ولد أو أسفل من ذلك انتقل نصيبه من ذلك لإخوته وأخواته المشاركين له فى الدرجة والاستحقاق وإلا فلأقرب الطبقات نسبا للمتوفى من أهل هذا الوقف وعلى أن من مات منهم قبل دخوله فى هذا الوقف واستحقاقه للشئ من ريعه وترك ولدا أو ولد ولد أو أسفل من ذلك قام ولده أو ولد ولده وإن سفل مقامه فى الدرجة والاستحقاق واستحق ما كان أصله يستحقه لو كان الأصل حيا ولم تنص على أيلولة نصيب من يموت عقيما.

وتبين من السؤال أن الواقفة توفيت بتاريخ ١٥ مارس سنة ١٩١١ عن الموقوف عليهم المذكورين الثلاثة - ثم توفيت بنتها زعفران خميس بتاريخ ٧ فبراير سنة ١٩٣١ عن نبتيها أمينة وفاطمة كما توفيت بنتها أسماء بتاريخ ٤ ديسمبر سنة ١٩٢٨ عن ولديها حافظ وحسن.

ثم توفى حافظ بن أسماء بتاريخ ١٤ أكتوبر سنة ١٩٣١ عن أولاده الثلاثة هم كامل وسيدة وأكابر - ثم توفيت أمينة بنت زعفران بتاريخ ٢ فبراير سنة ١٩٤٧ عقيما.

وطلب السائل معرفة الحكم الشرعى فيمن يؤول إليه نصيب كل من حافظ أحمد أبو النور ابن أسماء وأمينة محمد جادالله بنت زعفران المتوفاة عقيما

الجواب

أولا بالنسبة لأيلولة نصيب حافظ أحمد أبو النور بن أسماء بنت الواقفة المتوفى بعد الاستحقاق سنة ١٩٣١ عن أولاده الثلاثة كامل وسيدة وأكابر - فإنه إذا كان ما جاء بكتاب الوقف صحيحا أو لم يكن فيه حذف أو سقط وكان مطابقا لسجلاته ومضابطه فإن فى كتاب هذا الوقف نصيب فى أيلولة نصيب من مات بعد الاستحقاق عن أولاد بينهما تعارض - أحدهما - قول الواقفة (الطبقة العليا تحجب الطبقة السفلى من نفسها دون غيرها حيث يحجب كل أصل فرعه دون فرع غيره) فهذا النص يدل بطريق المنطوق لا بطريق المفهوم على أن الواقفة تقصد بالترتب بين الطبقات فى وقفها الذى رتبته بثم مؤكدة هذا الترتيب بقولها طبقة بعد طبقة ونسلا بعد نسل وجيلا بعد جيل تقصد به ترتيبا خاصا هو ترتيب الفرع على أصله دون أصل غيره فلا يحجب أصل فرع غيره لا مطلق ترتيب طبقة سفلى على طبقة عليا - وإذن يكون أولاد حافظ المذكورون مستحقين بمقتضى هذا النص ومشاركين فى الاستحقاق لأهل طبقة أصلهم بمجرد موت هذا الأصل الذى كان هو الحاجب الوحيد لهم دون غيره - النص الثانى - هو ول الواقفة (على أن من مات منهم وترك ولدا أو ولد ولد أو أسفل من ذلك انتقل نصيبه من ذلك لأخوته وأخواته المشاركين له فى الدرجة والاستحقاق) فإن هذا النص على فرض صحته صريح فى ان نصيب من مات بعد الاستحقاق عن أولاد لا ينتقل نصيبه لأولاد وإنما ينتقل لإخوته وأخواته المشاركين له فى الدرجة والاستحقاق - والخلاصة أن الشرط الأول صريح فى أن أولاد من مات بعد الاستحقاق يستحقون فى هذا الوقف ولهم نصيب فيه هو نصيب أصلهم.

وأن الشرط الثانى على فرض صحته صريح أيضا فى أن نصيب من مات بعد الاستحقاق عن أولاد وكان له إخوة كان نصيبه لإخوته - فهل بين هذين الشرطين تعارض وعلى أيهما يكون العمل.

وما الناسخ منهما وما المنسوخ أو أن التوفيق بينهما ممكن فيعمل بهما معا - فنقول إنه مما لا نزاع فيه أن بين هذين الشرطين تعارضا واضحا إلا أنه لا يمكن بحال القول بأن الشرط الثانى ناسخ للأول طبقا للقاعدة الفقهية فى ذلك لأن الشرط الأخير - أولا - مخالف كل المخالفة لغرض الواقفة ولا يتسق مع ما جرى عليه عرف الواقفين إذ لم يحدث على ما نعلم أن ترد مثل هذه العبارة فى شروطهم إلا إذا كانت خطأ أو صادرة عن جهل من الموثق لا دخل للواقف فيه - ثانيا - أن الواقفة أنشأة وقفها من بعدها على الموقوف عليهم وجعلته حصصا معينة ورتبت بين طبقاته ونصت نصا صريحا على ألا يحجب أصل فرع غيره.

ثم نصت فى الشرط الأخير على قيام فرع من مات قبل الاستحقاق مقام أصله.

وإذن فمن البعيد كل البعد أن يتجه غرض الواقفة إلى حرمان أولاد من مات بعد الاستحقاق بعد أن منحت الاستحقاق لأولاده فى الإنشاء كما منحت فى آخر شرط من شروطها الاستحقاق لأولاد من مات قبل الاستحقاق.

فهذا لا يمكن أن تقصده الواقفة ولا تكاد تريده لمجافاته للحقيقة العرفية والمنطق السليم وسنة الحياة كما لا يخفى فضلا عن أن شرط انتقال نصيب من مات بعد الاستحقاق عن أولاد لإخوته قد وقع بين شرطين مخالفين له، فأقل ما يمكن أن يقال إن هذا الشرط منسوخ بشرط قيام فرع من مات قبل الاستحقاق مقام أصله الذى جاء تاليا له، لأن المنصوص عليه فقها وهو الصحيح أن الواقف إذا شرط هذا الشروط ولم ينص على أيلولة نصيب من مات بعد الاستحقاق فإن أولاد من مات بعد الاستحقاق يستحقون من باب أولى وإن لم ينص الواقف على استحقاقهم صراحة فيكون هذا الشرط المتأخر ناسخا لشرط انتقال نصيب من مات بعد الاستحقاق عن أولاد إلى إخوته - وصفرة القول أننا نرى أن شروط الواقفة وغرضها والقرائن المتضافرة تفيد جميعا وجوب إلغاء هذا الشرط كما تفيد جوب استحقاق أولاد حافظ المذكورين لنصيب أبيهم.

ولا شك أن هذا هو الموافق للعدالة والمحقق لرغبة الواقفة.

وبناء على ذلك فبوفاة حافظ ابن أسماء بعد الاستحقاق سنة ١٩٣١ عن أولاده الثلاثة المذكورين ينتقل نصيبه وهو أربعة قراريط ونصف من أربعة وعشرين قيراطا ينقسم إليها ريع هذا الوقف إليهم لما ذكرنا ويقسم بينهم بالسوية بين الذكر والأنثى لنص الواقفة على التسوية بينهما فى اصل الإنشاء فى جميع الطبقات فينسحب إلى الشروط الاستثنائية كما هو منصوص على ذلك فقها - وهذا كله على فرض التسليم بصحة الشرط المشار إليه.

إذ الظاهر لنا بالرغم مما ذكر أن صحة هذا الشرط هى (على أن من مات منهم وترك ولدا أو ولد ولد أو أسفل من ذلك انتقل نصيبه من ذلك لولده أو ولد ولده وإن سفل فإن لم يكن له ولد ولا ولد ولد ولا أسفل من ذلك انتقل نصيبه من ذلك لإخوته وأخواته المشاركين له فى الدرجة والاستحقاق) ويكون أولاد حافظ مستحقين بمقتضى هذا الشرط صراحة - ولا حاجة للقول بتطبيق الفقرة الأولى من المادة ٣٢ من قانون الوقف رقم ٤٨ لسنة ١٩٤٦ على هذه الحادثة لأن اللجوء إلى تطبيق هذه الفقرة محله إذا لم يكن توزيع الاستحقاق بمقتضى شروط الواقفة لو وجد ذلك - ثانيا بوفاة أمينة محمد جاد الله بنت زعفران بعد الاستحقاق سنة ١٩٤٧ عقيما ولم تنص الواقفة على أيلولة نصيب العقيم على اعتبار التسليم بصحة الشرط المذكور فإن نصيبها يعود إلى غلة الحصة التى كانت تستحق فيها وهى حصة أمها زعفران وتصرف مصرفها طبقا للفقرة الأولى من المادة ٣٣ من القانون المذكور الواجبة التطبق على الأوقاف الصادرة قبل العمل بهذا العمل القانون ما لم يكن فى كتاب الوقف نص مخالف لها طبقا للمادتين ٥٦، ٥٨ من هذا القانون وليس فى كتاب هذا الواقف نص مخالف لها فتستحق نصيبها أختها فاطمة محمد جاد الله بنت زعفران وتستقبل به عملا بقول الواقفة (ويستقل به الواحد منهم إذا انفرد) - أما على اعتبار تصحيح هذا الشرط الذى رأيناه فإن نصيبها ينتقل بمقتضاه لأختها فاطمة أيضا.

والنتيجة على كل حال واحدة إذ فى الحالتين تستحق نصيبها أختها فاطمة المذكورة - وبهذا وضح الجواب عن السؤال بشقيه حسبما ظهر لنا - والله سبحانه وتعالى أعلم - وبصدور القانون رقم ١٨٠ لسنة ١٩٥٢ الخاص بإلغاء الوقف على غير الخيرات يصبح نصيب كل واحد ملكا له طبقا للمادة الثالثة منه - والله الموفق

<<  <  ج: ص:  >  >>