للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرسول ورقة حاله]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

يقول بعض الناس إن النبى صلى الله عليه وسلم كان يطوى الأيام جوعا، فكيف ذلك مع ما ثبت من وفرة الخير عنده وادخاره لما يكفى سنة؟

الجواب

النصوص كثيرة فى رقة حال النبى صلى الله عليه وسلم " واكتفائه من العيش بالضرورى منه، فمما رواه البخارى وغيره عن عائشة رضى الله عنها قولها: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بُر ثلاث ليال تباعا حتى قُبض، وما أكل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين فى يوم إلا إحداهما تمر، وقولها: كان يأتى علينا الشهر ما نوقد فيه نارا، إنما هو التمر والماء إلا أن نؤتى باللُّحيم. وقولها: إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة فى شهرين وما أوقدت فى أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قيل لها:

ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا انه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح - حيوانات ذات لبن - وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم فيسقيناه، وقولها: كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم -جلد-وحشوه ليف.

ذلك فى الوقت الذى ثبت فيه أنه ادخر لأهله قوت سنة، وقسم بين أربعة أشخاص ألف بعير مما أفاء الله عليه، وساق فى عمرته مائة بدنة، نحرها وأطعمها المساكين. وأمر لأعرابى بقطيع من الغنم، وأن بعض أصحابه كانوا أغنياء بذلوا أنفسهم وأموالهم بين يديه فعندما أمر بالصدقة جاء أبو بكر بجميع ماله وجاء عمر بنصفه، وجهز عثمان جيش العسرة بألف بعير.

فكيف نوفَق بين رِقة حاله وبين ما أتيح له من نعيم، وكذلك الحال مع أصحابه؟ والجواب: أن الرسول صلى الله عليه وسلم اختار لنفسه العيش الكفاف مع إمكان أن يعيش أفضل وذلك ليضرب المثل لأمته حتى لا يعتنوا بالدنيا وبخاصة ما وقع فى قلبه أن الله سيفتح عليهم أبواب الغنى، فهو يعدهم لعدم الفتنة، وقد صح أنه قال "فوالله ما الفقر أخشى عليكم: ولكنى أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم " وهو صلى الله عليه وسلم كانت له بعض الأحوال يأخذ فيها حظه من متعة الحياة، ولكن ليس بصفة دائمة، للمعنى الذى ذكرته، وكان أصحابه المهاجرون فى أول أيامهم فى أشد الحاجة إلى ما يقيم أودهم، فقد تركوا أموالهم فى مكة وقاسمهم إخوانهم الأنصار أموالهم، ثم بعد ذلك أفاء الله عليهم من نعمه الكثيرة بالفئ والغنيمة.

لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يختار رقة الحال مع إمكان حصول التوسع والتبسط فى الدنيا له: ففى حديث رواه الترمذى " عرض علىَّ ربى ليجعل لى بطحاء مكة ذهبا فقلت: لا يارب، ولكن أشبع يوما وأجوع يوما، فإنا جعت تضرعت إليك، وإذا شبعت شكرتك ".

فالخلاصة أن الرسول وأصحابه كانوا فى حاجة عند الهجرة فاضطروا إلى العيش المتواضع، ولما فتح الله عليهم تمتعوا بنعمة الله وكان منهم الأغنياء، والرسول صلى الله عليه وسلم نفسه كان كذلك لكنه كان يؤثر رقة العيش عند توفر الإمكانات ليضرب المثل لأصحابه وبخاصة عندما يفتح الله عليهم كنوز الخيرات، ذلك إلى أن القناعة بالقليل مع وجود الكثير فيها تمرين للنفس على مواجهة الاحتمالات، فليست الحياة كلها رخاء وليست الأيام كلها راحة، وفى تشريع الصيام ما يؤكد الحاجة إلى هذا التمرين العملى

<<  <  ج: ص:  >  >>