سمعنا أن وضع الساعة الدقاقة فى المسجد أو المنزل ممنوع لأن الملائكة تنفر من صوت الجرس، فهل هذا صحيح؟
الجواب
روى مسلم وغيره عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس " وفى رواية "الجرس مزامير الشيطان" يقول النووى فى شرح صحيح مسلم "ج ١٤ ص ٩٥": الجرس بفتح الراء معروف -وهو الناقوس- وبإسكانها اسم للصوت، فأصل الجرس بالإِسكان الصوت الخفى، أما فقه الحديث ففيه كراهة استصحاب الكلب والجرس فى الأسفار، وأن الملائكة لا تصحب رفقة فيها أحدهما، والمراد بالملائكة ملائكة الرحمة والاستغفار لا الحفظة -فإنهم يدخلون فى كل بيت ولا يفارقون بنى آدم فى كل حال لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها كما وضحه فى ص ٨٤ -وأما الجرس فقيل: سبب منافرة الملائكة له أنه شبيه بالنواقيس، أو لأنه من المعاليق المنهى عنها -كالتمائم- وقيل:
سببه كراهة صوتها، وتؤيده رواية مزامير الشيطان، وهذا الذى ذكرناه من كراهة الجرس على الإِطلاق هو مذهبنا ومذهب مالك وآخرين. وهى كراهة تنزيه. وقال جماعة من متقدمى علماء الشام:
يكره الجرس الكبير دون الصغير. انتهى.
وجاء فى كتاب "حياة الحيوان الكبرى للدميرى -مادة كلب- " قال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح فى مناسكه فى قوله صلى الله عليه وسلم "لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس" فإن وقع ذلك من جهة غيره ولم يستطع إزالته فليقل: اللهم إنى أبرأ إليك مما فعله هؤلاء فلا تحرمنى ثمرة صحبة ملائكتك وبركتهم ومعونتهم أجمعين.
وفى نهاية ابن الأثير "مادة جرس" أن الجرس هو الجلجل الذى يعلق على الدواب وقيل: إنما كرهه -لأنه يدل على أصحابه بصوته، وكان عليه السلام يحب ألا يعلم العدوُّ به حتى يأتيهم فجأة، وقيل غير ذلك.
يدل ذلك على أن صوت الجرس مكروه، وقصر بعض العلماء الكراهة على الجرس الكبير، والكراهة كما فى الحديث إذا كان للجرس فى رفقة كقافلة مسافرة على الإبل أو الخيل مثلا وكان الغالب أن نعلِّق فى رقابها جلاجل -أجراس صغيرة- والعلة في الكراهة إما أن التعاليق على الحيوانات كانت عند العرب لمنع الحسد أو العلاج أو دفع المرض كالخرز والتمائم والودع وقد جاء النهى عنها فى الأحاديث لاعتقادهم أنها تؤثر بذاتها بعيدا عن إرادة الله، وإما أن أصوات الأجراس تنبه العدو فيتعرض للقافلة بالنهب أو الحرب مثلا، وإما لغير ذلك.
ومن هنا تكون كراهة الجرس فى السفر فقط، أو مع تعليقها على الدواب. أما صوت الجرس غير المعلق على الحيوانات، وفى غير السفر، كصوت الساعة الدقاقة فى البيوت أو المساجد، وكدق الأجراس لضبط المرور أو العمل أو غير ذلك -فهل يعطى هذا الحكم أو لا؟ البعض قال يعطى حكمه من الكراهة بناء على عموم رواية "الجرس مزامير الشيطان" الشاملة للرفقة وغيرها، وقال البعض: لا كراهة، وبخاصة فى الأجراس الصغيرة، كما قال متقدمو علماء الشام.
ومهما يكن من شىء فإن الأمر الخلافى يعطى الفرصة لاتباع أى رأى فيه دون تعصب له ضد غيره، والحكم الشرعى لا يتعدى الكراهة التنزيهية التى لا عقوبة فيها، فهو ليس بحرام يعاقب عليه