[أسلحة الدمار الشامل]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم الدين فى الأسلحة الحديثة المدمرة التى تستعمل فى الحروب فيصاب بها البرئ والمتهم، وتأتى على الأخضر واليابس؟
الجواب
مبدئيا نقرر أن الحرب فى الإسلام ضرورة تقدر بقدرها، والقرآن قرر أن الناس ليسوا جميعا مسالمين، نظرًا لتسلط الأهواء والغرائز ونظرًا لنشاط الشيطان العدو المبين. ومن هنا كان لابد من الوقوف ضد الطغيان والتعدى على الحقوق وإقلاق الآمنين، قال تعالى {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} البقرة: ٢٥١، وقرر حق الدفاع عن النفس والحرمات، بل أوجبه حتى يقف المعتدى عند حده فقال {كُتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} البقرة: ٢١٦، وحتى تقدر الضرورة بقدرها حرج الابتداء بالقتال والعدوان على الآمنين، وإذا تحتم مَنَعَ تجاوز الحد الذى يدفع به العدوان، ومن أجمع النصوص فى ذلك قوله تعالى {وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} البقرة: ١٩٠.
وبناء على تقدير للضرورة بقدرها، منع الإسلام قتل من لم يشترك فى القتال كالنساء والصبيان، ومنع التخريب والإفساد وقيد جوازه بما إذا كان سلاحا يضعف به العدو. ومما ورد فى ذلك ما رواه مسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان، وذلك إذا تميزوا عن المحاربين، أما إذا لم يتميزوا وحدثت إغارة بالليل مثلا فقد ورد فيهم ما رواه مسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الذرارى من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال "هم منهم " وفى رواية للأهم من آبائهم " يقول النووى فى "شرح صحيح مسلم ج ١٢ ص ٤٨": أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث، حديث ابن عمر، وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا، فإن قاتلوا قال جماهير العلماء: يقتلون، وأما شيوخ الكفار- أى كبار السن - فإن كان فيهم رأى - أى يشاركون فى الحرب بالرأى - قتلوا، وإلا ففيهم وفى الرهبان خلاف، قال مالك وأبو حنيفة: لا يقتلون، والأصح فى مذهب الشافعى قتلهم.
ويقول فى حديث ابن عباس: لا بأس بقتل النساء والذرارى إذا لم يميزوا عن غيرهم وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبى حنيفة والجمهور.
ومعنى البيات ويبيتون أن يغار عليهم بالليل بحيث لا يعرف الرجل من المرأة والصبى. ثم يقول النووى: إن أولاد الكفار حكمهم فى الدنيا حكم آبائهم وأما فى الآخرة ففيهم إذا ماتوا قبل البلوغ ثلاثة مذاهب الصحيح أنهم فى الجنة، والثانى فى النار، والثالث لا يجزم فيهم بشىء.
وبخصوص التخريب روى مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرَّق نخل بنى النضير وقطع، وهو البويرة، فأنزل الله عز وجل {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفاسقين} الحشر:
٥، والبويرة موضع نخل بنى النضير، واللينة هى أنواع التمر كلها إلا العجوة، وقيل كرام النخل وقيل كل النخل، وذكر أن نخل المدينة مائة وعشرون نوعا، ثم قال: وفى هذا الحديث جواز قطع شجر الكفار وإحراقه، وبه قال عبد الرحمن بن القاسم ونافع مولى ابن عمر، ومالك والثورى وأبو حنيفة والشافعى واحمد وإسحاق والجمهور، وقال أبو بكر الصديق والليث بن سعد وأبو ثور والأوزاعى فى رواية عنهم، لا يجوز.
وروى مالك فى الموطأ أن أبا بكر أوصى يزيد بن أبى سفيان عندما وجهه إلى الشام فقال له: إنى موصيك بعشر خلال: لا تقتل امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما، ولا تقطع شجرا مثمرا، ولا تخرب عامرا، ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة، ولا تعقرن نخلا ولا تحرقه ولا تغلل ولا تجبن، يقول الشوكانى "نيل الأوطار ج ٧ ص ٢٦٤ " وقد اختلف السلف فى التحريق فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما، قال المهلب: ليس هذا النهى على التحريم بل على سبيل التواضع، ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة، وقد سمَّل النبى صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين بالحديد، وقد أحرق أبو بكر بالنار فى حضرة الصحابة، وحرق خالد ابن الوليد ناسا من أهل الردة، وكذلك حرق على.
وعنوان الباب الذى ذكر فيه عدة أحاديث هو: باب الكف عن المثلة والتحريق وقطع الشجر وهدم العمران إلا لحاجة ومصلحة، يقول:
وظاهر النهى فى حديث الباب التحريم، وهو نسخ للأمر المتقدم، سواء كان بوحى إليه أو اجتهاد، وهو محمول على من قصد إلى ذلك فى شخص بعينه، ثم نقل عن ابن حجر فقال: قال فى الفتح: ذهب الجمهور إلى جواز التحريق والتخريب فى بلاد العدو. وكرهه الأوزاعى والليث وأبو ثور، واحتجوا بوصية أبى بكر لجيوشه ألا يفعلوا شيئا من ذلك، وأجاب الطبرى بأن النهى محمول على القصد لذلك، بخلاف ما إذا أصابوا ذلك فى حال القتال كما وقع فى نصب المنجنيق على الطائف،وهو نحو مما أجاب به فى النهى عن قتل النساء والصبيان، وبهذا قال أكثر أهل العلم، وقال غيره: إنما نهى أبو بكر عن ذلك لأنه علم أن تلك البلاد تفتح، فأراد بقاءها على المسلمين. انتهى.
ولا يخفى أن ما وقع من أبى بكر لا يصلح لمعارضة ما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم لما تقرر من عدم حجية قول الصحابى "ص ٢٦٦".
وجاء فى تفسير القرطبى"ج ١٨ ص ٦" ما ذكره ابن إسحاق عن اختلاف الصحابة فى قطع النخل وحرق الشجر لبنى النضير وما تقاول به اليهود من زعم النبى أنه يريد الإصلاح لا الإفساد، ونزول الآية، وشعر سمَّاك اليهودى وردَّ حسان بن ثابت وغيره عليه، ثم قال فى "ص ٧" واختلف الناس فى تخريب دار العدو وتحريقها وقطع ثمارها على قولين، الأول أن ذلك جائز قاله فى المدونة، والثانى إن علم المسلمون أن ذلك لهم لم يفعلوا، وإن يئسوا فعلوا، قاله مالك فى الواضحة، وعليه يناظر أصحاب الشافعى، قال ابن العربى، والصحيح الأول، وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخل بنى النضير له، ولكنه قطع وحرق ليكون ذلك نكاية لهم ووهنا فيهم حتى يخرجوا عنها.
وإتلاف بعض المال لصلاح باقيه مصلحة جائزة شرعا، مقصودة عقلا.
وجاء فى المغنى لابن قدامة "ج ١٠ ص ٥٠٩" أنه لا يقطع شجرهم ولا يحرق زرعهم، إلا أن يكونوا يفعلون ذلك فى بلادنا فيفعل ذلك بهم لينتهوا. وفى شرحه لهذا قسم الشجر والزرع ثلاثة أقسام، القسم الأول ما تدعو الحاجة إلى إتلافه كالذى يقرب من حصونهم ويمنع من قتالهم.
وكالذى يحتاج إلى قطعه لتوسعة طريق أو تمكن من قتال، أو يكونون يفعلون ذلك بنا فيفعل بهم ذلك لينتهوا،فهذا يجوز بغير خلاف نعلمه، والقسم الثانى ما يتضرر المسلمون بقطعه لأنهم ينتفعون ببقائه لعلف دوابهم أو الأكل من ثمره، فهذا يحرم لما فيه من الإضرار بالمسلمين، والقسم الثالث ما عدا هذين القسمين مما لا ضرر فيه بالمسلمين ولا نفع سوى غيظ الكفار والإضرار بهم ففيه روايتان -أى عن أحمد-إحداهما لا يجوز، لحديث أبى بكر ووصيته لأن فيه إتلافا محضا فلم يجز. كعقر الحيوان، وبه قال الأوزاعى والليث وأبو ثور، والرواية الثانية يجوز، وبهذا قال مالك والشافعى وإسحاق وابن المنذر، قال إسحاق: التحريق سنة إذا كان أنكى فى العدو، وذكر الآية {ما قطعتم من لينة} وحديث ابن عمر فى تحريق الرسول لنخل بنى النضير.
يؤخذ من كل ما تقدم أن قطع الشجر والتحريق والتخريب إن كان فيه مصلحة للمسلمين المجاهدين فلا مانع منه. ومن المصلحة إزالة حواجز تمنع القتال. وإضعاف شوكة العدو ليكف عن القتال، والمقابلة بالمثل إذا فعلوا بنا ذلك. وأسلحة الدمار الشامل تأتى على الأشخاص والثروات والأملاك، وفى الأشخاص كثيرون لا يباشرون القتال ولا يتميزون عنهم ولا يقصدون بأعيانهم فيجوز قتلهم، وفى الثروات والأملاك لا بأس من تخريبها للمصلحة العائدة على المجاهدين. ومنها النكاية بالعدو وإضعافه ليقف عن الحرب