نقرأ فى بعض الكتب الدينية عبارات على لسان بعض الصوفية كمدح الخمر والوصال والعشق، فما حكم الدين فى هذه العبارات؟
الجواب
تحدث الإمام الغزالى فى كتابه " إحياء علوم الدين ج ١ ص ٣٢" عن هذا الكلام وعبر عنه بالشطح، وقال إنه يعنى صنفين من الكلام أحدثه بعض الصوفية:
أحدهما الدعاوى الطويلة العريضة فى العشق مع الله تعالى والوصال المغنى عن الأعمال الظاهرة، حتى ينتهى قوم إلى دعوى الاتحاد وارتفاع الحجاب، والمشاهدة بالرؤية والمشافهة بالخطاب، فيقولون:
قيل لنا كذا وقلنا كذا، ويتشبهون فيه بالحسين بن منصور الحلاج الذى صُلب لأجل إطلاقه كلمات من هذا الجنس، ويستشهدون بقوله: أنا الحق، وبما حكى عن أبى يزيد البسطامى أنه قال:
سبحانى سبحانى، وهذا فن من الكلام عظيم ضرره فى العوام، حتى ترك جماعة من أهل الفلاحة فلاحتهم، وأظهروا مثل هذه الدعاوى، فإن هذا الكلام يستلذه الطبع، إذ فيه البطالة من الأعمال مع تزكية النفس بدرك المقامات والأحوال، فلا تعجز الأغنياء عن دعوى ذلك لأنفسهم ولا عن تلقف كلمات مخبطة مزخرفة. ومهما أنكر عليهم ذلك لم يعجزوا عن أن يقولوا: هذا إنكار مصدره العلم والجدل، والعلم حجاب والجدل عمل النفس، وهذا الحديث لا يلوح إلا من الباطن بمكاشفة نور الحق. فهذا ومثله مما قد استطار فى البلاد شرره، وعظم فى العوام ضرره، حتى من نطق بشىء منه فقتله أفضل فى دين الله من إحياء عشرة، وأما أبو يزيد البسطامى رحمه الله فلا يصح عنه ما يحكى، وإن سمع ذلك منه فلعله كان يحكيه عن الله عز وجل فى كلام يردده فى نفسه، كما لو سمع وهو يقول، إننى أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنى، فإنه ما كان ينبغى أن يفهم منه ذلك إلا على سبيل الحكاية.
والصنف الثانى من الشطح: كلمات غير مفهومة لها ظواهر رائقة، وفيها عبارات هائلة وليس وراءها طائل، وذلك إما أن تكون غير مفهومة عند قائلها بل يصدرها عن خبط فى عقله وتشويش فى خياله لقلة إحاطته بمعنى كلام قرع سمعه، وهذا هو الأكثر، وإما أن تكون مفهومة له ولكنه لا يقدر على تفهيمها وإيرادها بعبارة تدل على ضميره، لقلة ممارسته للعلم وعدم تعلمه طريق التعبير عن المعانى بالألفاظ الرشيقة.
ويعلق الإِمام الغزالى على ذلك فيقول: ولا فائدة لهذا الجنس من الكلام، إلا أنه يشوش القلوب ويدهش العقول ويحير الأذهان، أو يحمل على أن يفهم منها معانى ما أريدت بها، ويكون فهم كل واحد على مقتضى هواه وطبعه، وقد قال صلى الله عليه وسلم "ما حدَّث أحدكم قوما بحديث لا يفقهونه إلا كان فتنة عليهم" وقد قال صلى الله عليه وسلم "كلموا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله"؟ .
وهذا فيما يفهمه صاحبه ولا يبلغه عقل المستمع، فكيف فيما لا يفهمه قائله، فإن كان يفهمه القائل دون المستمع فلا يحل ذكره، وقال عيسى عليه السلام: لا تضعوا الحكمة عند غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، كونوا كالطبيب الرفيق يضع الدواء فى موضع الداء، وفى لفظ آخر: من وضع الحكمة فى غير أهلها فقد جهل، ومن منعها أهلها فقد ظلم، إن للحكمة حقا، وإن لها أهلا، فأعط كل ذى حق حقه. انتهى.
تتمة: الحديث الأول كما قال العراقى حديث ضعيف، وجاء فى مقدمة صحيح مسلم أنه موقوف على ابن مسعود وليس مرفوعًا إلى النبى صلى الله عليه وسلم، والحديث الثانى رواه البخارى موقوفًا على علىٍّ، ورفعه الديلمى من طريق أبى نعيم