للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مآذن المساجد]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

يقول بعض الناس: إن المآذن الموجودة فى المساجد بدعة لا يقرها الدين فهل هنا صحيح؟

الجواب

من المعلوم أن الأذان شرع لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة وندائهم لشهود صلاة الجماعة فى المسجد، وهو علامة على أن أهل هذا الحى الذى أذن فيه مسلمون، وللمؤذن ثواب عظيم لأنه يدل الناس على الخير، والدال على الخير كفاعله كما صح فى الحديث، ولقول النبى صلى الله عليه وسلم " لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شىء إلا شهد له يوم القيامة" رواه البخارى وأحمد والنسائى وابن ماجه.

ومن أجل كثرة من يستجيبون للأذان فيصلون، وكثرة من يسمعون ليشهدوا للمؤذن كان من السنة رفع الصوت بأقصى ما يمكن، ولهذا استعان الأولون عليه بأن يؤذن المؤذن على مكان مرتفع، وحدث فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم أن بلالا كان يؤذن من فوق بناء مرتفع بجوار المسجد، روى أبو داود والبيهقى أن امرأة من بنى النجار قالت: كان بيتى من أطول بيت حول المسجد، وكان بلال يؤذن عليه الفجر، وجاء فى كتاب "خلاصة الوفا" للسمهودى "ص ١٩٢ " أن دار عبد الله بن عمر كان فيها اسطوانة فى قبلة المسجد يؤذن عليها بلال، يرقى إليها بأقتاب.

والقتب هو رحل البعير الذى يوضع على ظهره ليركب الراكب.

فاتخاذ مكان عال للأذان عليه مشروع ومستحب، وتبعا لسنة التطور بنيت أبراج عالية فى المساجد للأذان، وهى التى تسمى بالمآذن أو المنارات، لأن الأنوار كانت ترفع عليها فى مناسبات الأفراح، أو لأنها منارات وعلامات تدل على المساجد أو إسلام أهلها، كما أن للإسلام صُوًى ومنارات هى شرائعه التى تدل عليه كما قال ابن الأثير فى النهاية.

وجاء فى خلاصة الوفا للسفهودى "ص ١٩١" أن عمر بن عبد العزيز جعل لمسجد النبى صلى الله عليه وسلم أربع منارات فى زواياه الأربع، طول كل منها نحو ستين ذراعا، وعرضها ثمانية أذرع فى ثمانية، وأن إحداها جددت سنة ٧٠٦ هـ أيام الناصر محمد بن قلاوون، وكان طول بعض المنارات فى بعض التجديدات قد بلغ مائة وعشرين ذراعا فى عهد الأشرف قايتباى ٨٩٢ هـ.

وجاء فى خطط المقريزى "ج ٤ ص ٢٧" أن معاوية بن أبى سفيان أمر ببناء منار لمسجد الفسطاط "عمرو بن العاص " وإن كان عمر بن الخطاب نهى عَمْرًا عن اتخاذ المنابر والمآذن كما فى صبح الأعشى "ج ٣ ص ٣٤١" لكن بعد وفاة عمر اتخذت "مساجد مصر ج ١ ص ٦٤".

وعلى مدى التاريخ بنيت المآذن وارتفعت شامخة، وأذِّن من فوقها وامتلأت الأجواء بإعلان الشهادتين والدعوة للصلاة، فأى ضرر فى ذلك؟ ومهما يكن من شىء فإن لم تكن فيها فائدة فليس فيها ضرر، وإذا كانت للمشيدين لها نيات فالله يجزيهم بما نووا، لكنها على كل حال مظهر من المظاهر الإسلامية، وبخاصة فى هذه الأيام التى تحتاج إلى تكثيف للدعوة للإسلام بكل الوسائل الممكنة.

فالمآذن ليست بدعة منكرة، وإذا كان المؤذن يرقى فوقها لإبلاغ صوته لأكبر عدد ممكن، فإن مكبرات الصوت الآن ساعدت كثيرا على بلوغ الصوت مدى بعيدا، مع الرجاء ألا نقنع برفع المآذن ونقصر فى ارتياد المساجد، بل ينبغى أن يكون هناك تناسب بين المظهر والمخبر، والإعلان والواقع

<<  <  ج: ص:  >  >>