ما المراد بالصلاة والنحر فى قوله تعالى {فصل لربك وانحر} الكوثر: ٢؟
الجواب
اختلف العلماء فى نزول سورة الكوثر، هل كان بمكة أو بالمدينة. فعلى القول الأول بنزولها فى مكة يكون المراد بالصلاة الصلاة المفروضة، سواء منها ما كان قبل ليلة الإسراء حيث قيل:
إن الصلاة كانت ركعتين أول النهار وركعتين آخره، وما كان بعد ليلة الإسراء، وهى الصلوات الخمس. والمراد بالنحر هو الذبح، بذكر اسم الله أو التقرب إليه. والمعنى: اجعل صلاتك ونحرك يا محمد لله لا لغيره كما يفعل المشركون ولا يصح أن يراد بالصلاة هنا صلاة العيد ولا بالنحر تقديم الأضاحى أو الهدى، فذلك لم يشرع إلا فى المدينة بالإجماع كما حكاه ابن عمر.
وعلى القول الثانى بنزولها فى المدينة، يحتمل رأى غير الرأى الذى سبق، وهو أن المراد بالصلاة صلاة العيد وبالنحر ذبح الأضحية، كما رآه قتادة وعطاء وعكرمة.
قال أنس: كان النبى صلى الله عليه وسلم ينحر ثم يصلى، فأمره الله أن يصلى ثم ينحر، وقال سعيد بن جبير: المراد بالصلاة صلاة الصبح المفروضة بالمزدلفة والنحر يكون بمنى، وجاء عنه أنها نزلت فى الحديبية للتحلل من الإحصار.
والقول الأول هو الراجح، لأن أقوى الروايات فى سبب النزول تدل على أنها نزلت بمكة، حين عاب المشركون موت ولد النبى صلى الله عليه وسلم وقالوا: صار أبتر، على ما كان من عادتهم فيمن يموت وليس له ولد-وما قيل من أن ذلك كان بالمدينة عند موت ولده إبراهيم ضعيف - فالله سبحانه يسلِّى نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه أعطاه الكوثر، أى الخير الكثير، وهذا الخير الكثير على أرجح الأقوال هو نهر فى الجنة كما جاء فى رواية البخارى، أو الحوض الذى يكون فى الموقف قبل دخول الجنة كما جاء فى رواية مسلم، أو هو النبوة.
وفى مقابل هذا الخير الكثير يجب أن يشكر النبى صلى الله عليه وسلم ربه عليه بأن تكون صلاته كلها ونحره كله لله وحده وليس لغيره، والمراد أن يستمر فى دعوته ويثبت على عقيدته وسلوكه غير عابئ بما يقوله المشركون، فالأبتر فى الحقيقة هم هؤلاء الذين قطع الله عنهم الخير بسبب كفرهم.
ومن البعيد أن يكون الشكر على الكوثر صلاة العيد ونحر الأضحية أو الهدْى. قال ابن العربى: والذى عندى أنه أراد: اعبد ربك وانحر له، فلا يكن عملك إلا لمن خصك بالكوثر. وبالحرى أن يكون جميع العمل يوازى هذه الخصوصية من الكوثر وهو الخير الكثير الذى أعطاكه الله، أو النهر الذى طينه من مسك، وعدد آنيته نجوم السماء، أما أن يوازى هذا صلاة يوم النحر وذبح كبش أو بقرة أو بدنة فذلك يبعد فى التقدير والتدبير وموازنة الثواب للعبادة "تفسير القرطبى ج ٢٠ ص ٢٢٠"..،