[الحياة على الكواكب الأخرى]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يقول الله سبحانه {ومن آيايه خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير} الشورى: ٢٩، ألا تدل هذه للآية على أن هناك كائنات حية فى غير الأرض التى نعيش عليها؟
الجواب
لقد نشط البحث عن الحياة فى الكواكب الأخرى خلال الأربعين سنة الماضية، واستخدمت منذ ثمان عشرة سنة الموجات اللاسلكية لهذا الغرض، ومنذ ستة أعوام اهتم الفلكيون بالتسمع على الكون لالتقاط الإشارات الصادرة منه، وذلك فى مختبر الدفع النفاث فى " باسادونا " ومركز الأبحاث " آميس " التابع لمؤسسة " ناسا " بكاليفورنيا. ومؤسسة " سيتى" وهى رمز لمشروع البحث عن المخلوق الذكى الموجود خارج الأرض، والدى يضم أكثر من مليون يد عاملة تعاون فيه الخبراء الأمريكيون والروس على تحليل ألف ساعة من الإشارات التى تم استقبالها من الفضاء الخارجى بأجهزة إليكترونية معقدة وشديدة الحساسية.
وقد قرروا أنه لا يتم لهم النجاح إلا إذا استطاعوا إرسال إشارة يمكن للعالم الخارجى التقاطها. لكن النجوم الهائلة العدد لا يمكن أن تسلط أشعة على نجم منها مرة ثانية إلا بعد مرور مائة ألف عام على المرة الأولى، وهذا كله فى نجوم مجرتنا فقط " التبانة " فكم من الزمن يكفى لتسليط أشعة على نجوم المجرات الأخرى وما أكثرها؟ .
ذكرت هذه المقدمة لترى أيها القارئ أن سعة الكون وتعدد نجومه والاكتفاء مرة واحدة بتسليط الأشعة على كل نجم، كل ذلك لا يكفى للاعتقاد أو غلبة الظن أن فى الكَون حياة من جنس حياتنا البشرية، أو من جنس آخر.
ومهما يكن من شيء فإن هذه الأبحاث متروكة لعقل الإنسان، وموقف الإسلام منها موقف المشجع على النظر فى ملكوت السموات والأرض، ونصوصه أشهر من أن تذكر، والإنصاف فى البحث سيؤدى إلى تعميق الإيمان بالله، كما قال سبحانه فى ختام الآيتين اللتين تتحدثان عن النظر فى الكون أرضه وسمائه بمائه ونباته ومعادنه وحيوانه وإنسانه {إنما يخشى اللَّه من عباده العلماء} فاطر: ٢٧.
والقرآن يكفيه أن يضع دستور البحث ويشجع عليه، وليس من شأنه أن يدون جزئيات العلوم فى أكثرها، وعلى امتداد الحياة البشرية ستكشف أمور تتطلبها حاجة الإنسان فى نموه المطرد، وما دام اللَّه هو الحق، وهو خالق العالم على هذا النظام البديع فإن كلامه لا يتعارض مع قوانينه أبدا، وإذا توصل الباحثون إلى ما يوهم التعارض مع القراَن فلا يجوز أن نسرع بالشك أو التأويل ما دامت النتائج لم تصل إلى مرتبة الحقائق العلمية التى لا يتطرق إليها الشك، ولست موافقا على مسلك بعض الكتاب الذين يسرعون إلى الربط بين القرآن والعلم كلما لاح فى الأفق كشف جديد، وقد يسرفون فى التأويل والتوفيق ثم تظهر البحوث التالية فساد ما سبق من نتائج ظلمنا القراَن بحمل آياته عليها ومع إحسان ظنى بأن كثيرًا من الباحثين عندهم غيرة دينيهَ حملتهم على هذا الربط فإنى أدعوهم إلى التريث، أو إلى جعل الأمر محل الاحتمال بعيدا عن القطع والجزم به.
والمفسرون للقرآن سلكوا فى مثل هذه المواقف مسلك الحيطة والحذر فلجأوا إلى القول بالاحتمال وعدم المانع، يقول النسفى فى قوله تعالى {ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير} الدابة تكون فى الأرض وحدها، لكن يجوز أن ينسب الشىء إلى جميع المذكور أى السموات والأرض -وإن كان متلبسا ببعض، كما يقال:
بنو تميم فيهم شاعر مجيد، وإنما هو فى فخذ من أفخاذهم، ومنه قوله تعالى {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} وإنما يخرج من الملح، ولا يبعد أن يخلق فى السموات حيوانات يمشون فيها مشى الأناسى على الأرض ويكون للملائكة مشى مع الطيران، فوصفوا بالدبيب كما وصف الأناسى انتهى.
انظر إلى قوله: ولا يبعد أن يخلق فى السماوات حيوانات. هذا هو الموقف العلمى الصحيح من كل ما لا يجزم به الإنسان، فإذا تحقق أن فى السموات كائنات حية فظاهر الآية {وما بث فيهما من دابة} تحقق أن فى السموات كائنات حية فظاهر الآية {وما بث فيهما من دابة} لا يتعارض مع هذه الحقيقة، وإذا لم يتحقق وجود كائنات حية فيها فالآية باقية على معناها على النحو الذى وضحه المفسر من أن النسبة إلى الجزء نسبة إلى الكل، وهو أسلوب معروف عند العرب الذين نزل القراَن بلغتهم، ففى مجموع السماوات والأرض دواب، وفى مجموع المياه العذبة والملحة لؤلؤ ومرجان.
وإن كانت الدواب فى الأرض واللؤلؤ والمرجان من البحر الملح.
وبعد، فإن الموضوع ليس عقيدة نحاسب عليها، ولا يترتب على الجهل بها شيء، ونحن لم نحل مشاكل الأرض ولم نأت على نهاية العلم بأسرارها حتى نهتم بأسرار الكائنات العليا، ويكفينا أن القرآن وهو أصدق خبر يحدثنا عما يهمنا منها، والقرآن كلام اللَّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإن وجد كشف جديد يزيدنا يقينا بصدقه فذاك وإلا فهو صادق على الرغم من عجزنا نحن {لكن اللَّه يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا}