[ليلة النصف من شعبان]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل ليلة النصف من شعبان لها فضل وهل كان النبى صلى الله عليه وسلم يحتفل بها، وهل هناك صلاة مخصوصة أو دعاء مخصوص يقال فيها؟
الجواب
الكلام هنا فى ثلاث نقط:
١ -النقطة الأولى: هل ليلة النصف من شعبان لها فضل؟ والجواب: قد ورد فى فضلها أحاديث صحح بعض العلماء بعضا منها وضعفها آخرون وإن أجازوا الأخذ بها فى فضائل الأعمال. ومنها حديث رواه أحمد والطبرانى "إن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر لأكثر من شعر غنم بنى كلب، وهى قبيلة فيها غنم كثير".
وقال الترمذى: إن البخارى ضعفه، ومنها حديث عائشة رضى الله عنها، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فصلى فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض، فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت إبهامه فتحرك، فرجعت، فلما رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال: "يا عائشة- أو يا حميراء-ظننت أن النبى صلى الله عليه وسلم -قد خاس بك "؟ أى لم يعطك حقك.
قلت: لا والله يا رسول الله ولكن ظننت أنك قد قبضت لطول سجودك، فقال: "أتدرين أى ليلة هذه"؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال "هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله عز وجل يطلع على عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين.
ويؤخر أهل الحقد كما هم " رواه البيهقى عن طريق العلاء بن الحارث عنها، وقال: هذا مرسل جيد. يعنى أن العلاء لم يسمع من عائشة.
وروى ابن ماجه فى سننه بإسناد ضعيف عن على رضى الله عنه مرفوعا- أى إلى النبى صلى الله عليه وسلم "إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول: ألا مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر".
بهذه الأحاديث وغيرها يمكن أن يقال: إن لليلة النصف من شعبان فضلا، وليس هناك نص يمنع ذلك، فشهر شعبان له فضله روى النسائى عن أسامة بن زيد رضى الله عنهما أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور، ما تصوم من شعبان قال "ذاك شهر تغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملى وأنا صائم ".
ا-النقطة الثانية هل كان النبى صلى الله عليه وسلم يحتفل بليلة النصف من شعبان؟ ثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام احتفل بشهر شعبان، وكان احتفاله بالصوم، أما قيام الليل فالرسول عليه الصلاة والسلام كان كثير القيام بالليل فى كل الشهر، وقيامه ليلة النصف كقيامه قى أية ليلة.
ويؤيد ذلك ما ورد من الأحاديث السابقة وإن كانت ضعيفة فيؤخذ بها فى فضائل الأعمال، فقد أمر بقيامها، وقام هو بالفعل على النحو الذى ذكرته عائشة.
وكان هذا الاحتفال شخصيا، يعنى لم يكن فى جماعة، والصورة التى يحتفل بها الناس اليوم لم تكن فى أيامه ولا فى أيام الصحابة، ولكن حدثت فى عهد التابعين. يذكر القسطلانى فى كتابه "المواهب اللدنية"ج ٢ ص ٢٥٩ أن التابعين من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول كانوا يجتهدون ليلة النصف من شعبان فى العبادة، وعنهم أخذ الناس تعظيمها، ويقال أنهم بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية. فلما اشتهر ذلك عنهم اختلف الناس، فمنهم من قبله منهم، وقد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز، منهم عطاء وابن أبى مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة، ثم يقول القسطلانى:
اختلف علماء أهل الشام فى صفة إحيائها على قولين، أحدهما أنه يستحب إحياؤها جماعة فى المسجد، وكان خالد بن معدان ولقمان ابن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون فى المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك وقال فى قيامها فى المساجد جماعة: ليس ذلك ببدعة، نقله عنه حرب الكرمانى فى مسائله. والثانى أنه يكره الاجتماع فى المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يصلى الرجل فيها لخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعى إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم.
ولا يعرف للإمام أحمد كلام فى ليلة النصف من شعبان، ويتحرج فى استحباب قيامها عنه روايتان من الروايتين عنه فى قيام ليلتى العيد، فإنه فى رواية لم يستحب قيامها جماعة، لأنه لم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه فعلها، واستحبها فى رواية لفعل عبد الرحمن بن زيد بن الأسود لذلك، وهو من التابعين، وكذلك قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها شيء عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، إنما ثبت عن جماعة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام، انتهى. ملخصا من اللطائف. هذا كلام القسطلانى فى المواهب، وخلاصته أن إحياء ليلة النصف جماعة قال به بعض العلماء ولم يقل به البعض الآخر، وما دام خلافيا فيصح الأخذ بأحد الرأيين دون تعصب ضد الرأى الآخر.
والإحياء شخصيا أو جماعيا يكون بالصلاة والدعاء وذكر الله سبحانه، وقد رأى بعض المعاصرين أن يكون الاحتفال فى هذه الليلة ليس على هذا النسق وليس لهذا الغرض وهو التقرب إلى الله بالعبادة، وإنما يكون لتخليد ذكرى من الذكريات الإسلامية، وهى تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى مكة، مع عدم الجزم بأنه كان فى هذه الليلة فهناك أقوال بأنه كان فى غيرها، والاحتفال بالذكريات له حكمه.
والذى أراه هو عدم المنع ما دام الأسلوب مشروعا، والهدف خالصا للَّه سبحانه.
١- النقطة الثالثة: هل هناك أسلوب معين لإحيائها وهل الصلاة بنية طول العمر أو سعة الرزق مشروعة، وهل الدعاء له صيغة خاصة؟ إن الصلاة بنية التقرب إلى الله لا مانع منها فهى خير موضوع، ويسن التنفل بين المغرب والعشاء عند بعض الفقهاء، كما يسن بعد العشاء ومنه قيام الليل، أما أن يكون التنفل بنية طول العمر أو غير ذلك فليس عليه دليل مقبول يدعو إليه أو يستحسنه، فليكن نفلا مطلقا.
قال النووى فى كتابه المجموع: الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهى ثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان، ولا تغتر بذكرهما فى كتاب قوت القلوب - لأبى طالب المكى-وإحياء علوم الدين - للإمام الغزالى - ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات فى استحبابهما فإنه غالط فى ذلك. وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسى كتابا نفيسا فى إبطالهما فأحسن فيه وأجاد. "مجلة الأزهر - المجلد الثانى ص ٥١٥ ".
والدعاء فى هذه الليلة لم يرد فيه شيء عن النبى صلى الله عليه وسلم، لأن مبدأ الاحتفال ليس ثابتا بطريق صحيح عند الأكثرين، ومما أثر فى ذلك عن عائشة رضى الله عنها سمعته يقول فى السجود "أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك " رواه البيهقى من طريق العلاء كما تقدم.
والدعاء الذى يكثر السؤال عنه فى هذه الأيام هو: اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، لا إله إلا أنت ظهر اللاجئين وجار المستجيرين وأمان الخائفين، اللهم إن كنت كتبتنى عندك فى أم الكتاب شقيا أو محروما أو مطرودا أو مقترا على فى الرزق فامح اللهم بفضلك شقاوتى وحرمانى وطردى وإقتار رزقى.. .
... وجاء فيه: إلهى بالتجلى الأعظم فى ليلة النصف من شهر شعبان المعظم، التى يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم ... . .. وهى من زيادة الشيخ ماء العينين الشنقيطى فى كتاب "نعت البدايات ".
وهو دعاء لم يرد عن النبى صلى الله عليه وسلم قال بعض العلماء إنه منقول بأسانيد صحيحة عن صحابيين جليلين، هما عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضى الله عنهما، وعمر-من الخلفاء الراشدين الذى أمرنا الحديث بالأخذ بسنتهم، ونص على الاقتداء به وبأبى بكر الصديق فى حديث آخر، وأصحاب الرسول كالنجوم فى الاقتداء بهم كما روى فى حديث يقبل فى فضائل الأعمال.
ولكن الذى ينقصنا هو التثبت من أن هذا الدعاء ورد عن عمر وابن مسعود ولم ينكره أحد من الصحابة،كما ينقصنا المثبت من قول ابن عمر وابن مسعود عن هذا الدعاء: ما دعا عبد قط به إلا وسع الله فى مشيئته أخرجه ابن أبى شيبة وابن أبى الدنيا.
ومهما يكن من شىء فإن أى دعاء بأية صيغة يشترط فيه ألايكون معارضا ولا منافيا للصحيح من العقائد والأحكام. وقد تحدث العلماء عن نقطتين هامتين فى هذا الدعاء، أولاهما ما جاء فيه من المحو والإثبات فى أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ وهو سجل علم الله تعالى الذى لا يتغير ولا يتبدل، فقال: إن المكتوب فى اللوح هو ما قدره الله على عباده ومنه ما هو مشروط بدعاء أو عمل وهو المعلق والله يعلم أن صاحبه يدعو أو يعمله وما هو غير مشروط وهو المبرم، والدعاء والعمل ينفع فى الأول لأنه معلق عليه، وأما نفعه فى الثانى فهو التخفيف، كما يقال: اللهم إنى لا أسألك رد القضاء بل أسألك اللطف فيه وقد جاء فى الحديث "إن الدعاء ينفع فيما نزل وما لم ينزل " والنفع هو على النحو المذكور.
روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل: فيم العمل اليوم؟ أفيم جفت به الأقلام وجرت به المقادر أم فيما يستقبل؟ قال "بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير" قالوا: ففيم العمل؟ قال: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له "وفى رواية: أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ فقال "من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة، اعملوا فكل ميسر ثم قرأ {فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى *وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى} الليل ٥ - ١٠، ولم يرتض بعض العلماء هذا التفسير للمحو والإثبات فى اللوح المحفوظ، فذلك يكون فى صحف الملائكة لا فى علم الله سبحانه ولوحه المحفوظ، ذكره الآلوسى والفخر الرازى فى التفسير.
والنقطة الثانية: ما جاء فيه من أن ليلة النصف من شعبان هى التى يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم. فهو ليس بصحيح، فقد قال عكرمة:
من قال ذلك فقد أبعد النجعة، فإن نص القرآن أنها فى رمضان، فالليلة المباركة التى يفرق فيها كل أمر حكيم نزل فيها القرآن، والقران نزل قى ليلة القدر. وفى شهر رمضان. ومن قال: هناك حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم يقول "تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه فى الموتى" فالحديث مرسل، ومثله لا تعارض به النصوص "المواهب اللدنية ج ٢ ص ٢٦٠ " وإن حاول بعضهم التوفيق بينهما بأن ما يحصل فى شعبان هو نقل ما فى اللوح المحفوظ إلى صحف الملائكة.
ولا داعى لذلك فالدعاء المأثور فى الكتاب والسنة أفضل.
وللاستزادة يمكن الرجوع إلى مجلة الأزهر، المجلد الثانى ص ٥١٥ والمجلد الثالث ص ٥٠١ومجلة الإسلام المجلد الثالث، العددان ٣٥، ٣٦