نفسى تغلبنى كثيرا فارتكب المعصية ولا أقدر على منع نفسى منها، فهل من علاج لهذا المرض؟
الجواب
معروف أن الإنسان ليس عقلا فقط ولكنه عقل وروح وغرائز وشهوات، العقل يشده إلى العالم العلوى، عالم الطهر والكمال.
والغرائز تشده إلى العالم السفلى عالم الشهوات الذى تعيش فيه الحيوانات، والمعركة مستمرة بين القوتين، وبقدر انتصار إحداهما يكون الحكم على الإِنسان وتقديره، ومن رحمة الله تعالى به ساعده فى هذه المعركة لتتحقق كرامته، وذلك بإمداده بالوحى الذى تنزلت به الرسل، وبقدر تقبله لهذا المدد الإلهى يكون انتصاره، قال تعالى لآدم حين أهبطه من الجنة إلى الأرض {فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا. ونحشره يوم القيامة أعمى} طه:
١٢٣، ١٢٤ وهذا القرار الحكيم ليس لشخص آدم فقط، بل له ولذريته من بعده إلى نهاية الدنيا، ولذلك جاء بعده قوله تعالى {وكذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} طه: ١٢٧.
ومن رحمته أيضا بالإِنسان لم يكتب عليه الطرد من رحمته إلى الأبد لهزيمته فى معركة من المعارك، فالشيطان الذى حقت عليه اللعنة إلى يوم الدين بأول مخالفة عصى فيها ربه، أقسم ألا يترك بنى آدم ينعمون برحمة الله، فهو يعمل ليل نهار وبكل وسيلة لإغوائهم كما قال تعالى {قال فبما أغويتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم. ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} الأعراف: ١٦، ١٧.
ولكن فتح باب الأمل لمن هزم فى معركة من المعارك المستمرة التى حشد فيها الشيطان جنوده من ذريته وممن حالفوه من الأعوان كالنفس بغرائزها والشهوات بقوتها، فأعذره إذا رجع إلى ربه، نادما على ضعفه وهزيمته، مادًا إليه يده طالبا المعونة منه، بل حثه على معاودة الجهاد وأمره بالتوبة ووعده إن أخلص فيها بالمغفرة والقبول، كما فعل بأبيه آدم {وعصى آدم ربه فغوى. ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى} طه: ١٢١، ١٢٢ ذلك أن كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، كما قال صلى الله عليه وسلم.
من هنا نعلم أن علاج المعصية هو التوبة النصوح الصادقة، والأمل فى النصر بعد الهزيمة، ويساعد على ذلك دوام ذكر الله والإِيمان بأنه رقيب مطلع على السر والنجوى، فذلك يقويه على البعد عن المعصية إن سولت له بها نفسه، وعلى الرجوع إلى الله إن تورط فيها {قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم. وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون} الزمر: ٥٣، ٥٤. ويعجبنى فى هذا المقام ما قرأته نقلا عن بعض الكتب القديمة أن رجلا قال لطبيب: أعندك دواء لداء الذنوب؟ فقال: نعم، قال وما هو؟ قال: خذ عروق الفقر، وزنجبيل الصبر، واخلطهما بسفوف الذكر، وامزجهما برقائق الفكر، واجعل معه إهليلج التواضع والخشوع، ودقه فى مهراس التوبة والخضوع، ولتَّه بماء الدموع وضعه فى طنجير التذلل، وأوقد تحته نار التوكل، وحرِّكه بملعقة الاستغفار، حتى يزبد زبد التوفيق والوقار، ثم اجعله فى آنية المحبة، وبرِّده بمروحة المودة، وصفِّه بمصفى الأحزان، وصب عليه عصير الأجفان، واجعل معه حقيقة الإِيمان، وامزجه بخوف الرحمن، وتغَذَّ قبل شربه بمر الصيام، ودم على هذا ما عشت من الأيام، وإياك أيها العليل أن تقرب فى أيام دوائك شيئا من الآثام، فإنها تجر عليك ما رجوت برأه من الأسقام، وتجنب فى دوائك العجب والرياء، والبس لباس الحياء، وشد على وسطك منطقة الصدق والوفاء، وإياك أن تدخل بيتك إلا من باب التوبة والصفاء، فإذا دمت على هذا الدواء صفا قلبك بين القلوب، وزالت عنك أوجاع الذنوب " قطوف لعلى الجندى -منبر الإِسلام عدد جمادى الآخرة سنة ١٣٩٠ هـ "