للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قضاء الصلاة]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

سمعنا بعض الآراء تقول: من ترك الصلاة عمدا لا يجب عليه قضاؤها، فهل هذا صحيح؟

الجواب

يقول جمهور العلماء: إن الصلاة إذا خرج وقتها دون أن يؤديها المسلم المكلف وجب عليه أن يقضيها، قال تعالى {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} الإِسراء: ٧٨، يقول القرطبى، مقتضى ظاهر الآية أنه لو فعلها فى غير وقتها تكون باطلة ولا ثواب عليها.

وإذا كانت باطلة فلا داعى لقضائها، مع أن فواتها معصية، ولولا حديث " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " لم ينتفع أحد بصلاة وقعت فى غير وقتها ومن هنا كان لابد من قضاء الصلاة في غير وقتها المحدود لها.

وخروج الصلاة عن وقتها قد يكون لعذر أو لغير عذر، ومن العذر النوم والسهو فمن فاتته بعذر وجب عليه قضاؤها، فقد روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك " وفي رواية " إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها " فإن اللَّه عز وجل يقول {وأقم الصلاة لذكرى} طه: ١٤.

وكذلك يجب قضاؤها لأنها صارت دينا له، وقد روى الشيخان أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن أمه التى ماتت وعليها صوم شهر هل يقضيه عنها؟ فقال له " نعم، فدين اللَّه أحق أن يقضى " وفي رواية أن امرأة سألت النبى صلى الله عليه وسلم عن أمها التى نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، هل تحج عنها؟ فقال: " حجى عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا، فالله أحق بالقضاء ".

فالحديث الأول يوجب القضاء على الناسى بالنص، والحديث الثانى يدل على وجوبه بعموم قضاء دين الله. ويؤكد وجوب القضاء التعبير بالكفارة، كأن النسيان ذنب فيه كفارة، مع أن القلم رفع عن الناسى.

أما من ترك الصلاة حتى خرج وقتها بدون عذر، فالقضاء واجب عليه أيضا كما قال جمهور العلماء، وحجتهم فى ذلك ما يأتى:

١ - قول اللَّه تعالى {وأقيموا الصلاة} ولم يفرق بين أن تكون في وقتها أو بعده، وهذا أمر يقتضى الوجوب، فى الوقت وغير الوقت.

٢ -ثبت الأمر بالقضاء على النائم والناسى، مع أنهما غير آثمين، ك لها عمدا أولى بوجوب القضاء.

٣ - الحديث يقول " من نام عن صلاة أو نسيها " وهو يدل على وجوب القضاء مطلقا، لأن النسيان ترك، وهو يشمل الترك المتعمد وغير المتعمد بدليل قول الله تعالى {نسوا اللَّه فنسيهم} التوبة: ٦٧، والله لا ينسى فمعناه أنه تركهم وقوله {فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم} السجدة: ١٤، والمعنى إنا تركناكم ومثله قوله تعالى {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} البقرة: ١٠٦، فمعنى ننسها نتركها.

٤ - يقول الحديث " فليصلها إذا ذكرها" وهو يشمل الذكر بعد النسيان وبعد غيره، ومنه حديث " من ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى" وهو سبحانه لا ينسى حتى يكون ذكر بعد نسيان، بل المراد علمت، فمعنى ذكرها علمها.

٥-أن ديون الآدميين المرتبطة بوقت، ثم جاء الوقت لم يسقط قضاؤها بعد وجوبها، وهى مما تسقط بالإبراء، فديون اللَّه لا يصح فيها الإِبراء، وأولى ألا يسقط قضاؤها إلا باذن منه، ولا يوجد هذا الإذن.

٦ -أن العلماء اتفقوا على أن الفطر فى رمضان يوجب القضاء فى غير رمضان، فكذلك الصلاة إذا لم تؤد فى وقتها وجب قضاؤها فى وقت اَخر.

هذا هو رأى الجمهور فى وجوب قضاء الصلاة على من تركها متعمدا، وقال أهل الظاهر وبعض علماء الشافعية بعدم وجوب القضاء عليه، تمسكا بظاهر الحديث الذى شرط للقضاء النوم أو النسيان، بل عليه أن يتوب توبة نصوحا من معصيته بترك الصلاة، وذلك بالإِقبال على أدائها والمحافظة عليها، قال تعالى {وإنى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} طه: ٨٢. وردوا على أدله الجمهور، بما يأتى:

١ - لا يصح قياس المتعمد على الناسى، وذلك لوجود الفارق بينهما، فالناسى مأمور بالقضاء، والقضاء كفارة بمنطوق الحديث. مع أن الناسى لا إثم عليه لرفع القلم عنه، وكان مقتضى رفع الإِثم عدم وجوب القضاء، لكن الحديث نص على وجوبه، فكان هنا حكما خاصا بنسيان الصلاة، فلا يقاس عليه التعمد لتركها، وذلك للزوم الإثم له، ولا فائدة من القضاء فى رفع هذا الاثم، بل عليه التوبة.

٢ -لو وجب القضاء على العامد لوجب أمر جديد له بالقضاء، ولا يوجد هذا الأمر. والحافظ ابن حجر رد على الدليل الأول بأن الكفارة لا يلزم أن تكون عن إثم، فقد تكون على الآثم كالقاتل عمدا، وعلى غيره كالقاتل خطأ، وحيث كانت كفارة الناسى هى القضاء، فكفارة المتعمد هى القضاء أيضا مع التوبة.

كما رُدَّ على الدليل الثانى، بأن وجوب القضاء لا يحتاج إلى أمر جديد، فهو مأمور بأداء الصلاة بالخطاب التكليفى الأول، وتاركها صار مدينا، والدين لا يسقط إلا بأدائه. هذا، وجاء فى تفسير القرطبى أن ما روى عن مالك من قوله: من ترك الصلاة متعمدا لا يقضى أبدا، هو إشارة إلى أن ما مضى لا يعود، أو هو كلام خرج مخرج التغليظ، كما روى عن على وابن مسعود أن من أفطر فى رمضان عامدا لم يكفره صيام الدهر وإن صامه.

ومع هذا فلا بد من توفية التكليف حقه بإقامة القضاء مقام الأداء، وإتباعه بالتوبة، ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء، وما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم " من أفطر يوما من رمضان متعمدا لم يجزه صيام الدهر وإن صامه " فهو حديث ضعيف خرجه أبو داود، وإن صح حمل على التغليظ.

وهل يقال: إن حديث رَفْعَ القلم عن النائم حتى يستيقظ، فلماذا يأمر الرسول من نام عن الصلاة بقضائها؟ والجواب أن المراد رفع الإِثم لا رفع الفرض عنه، وليس هذا من باب قوله " وعن الصبى حتى يحتلم " وإن كان ذلك جاء فى أثر واحد، لأن رفعها عن الصبى رفع للوجوب، وبالتالى رفع للإِثم. أو يقال: إن حديث الصلاة مخصص لحديث رفع القلم، بمعنى أن حديث رفع القلم - أى عدم المؤاخذة -إن صدق على الصبى وعلى المجنون، فالصلاة مستثناة من رفع القلم، فالنائم عنها مؤاخذ وآثم، وكفارة ذلك هى قضاء الصلاة، اهـ.

وهناك قول عند الحنابلة بعدم وجوب القضاء على من ترك الصلاة عمدا، وذلك إذا طلبها منه الحاكم ودعاه إلى فعلها، لأن فى هذه الحالة يكون مرتدا عندهم، لكن هذا القول - مع، كونه أحد القولين وليس بأرجحهما-مقيد بحالة مخصوصة، وهى طلب الحاكم.

والخلاصة أن تارك الصلاة سهوا يجب عليه القضاء باتفاق العلماء، وتاركها عمدا يجب عليه القضاء عند الجمهور وهو الصحيح، والإِنسان حر فى كيفية القضاء من حيث الترتيب وعدمه على ما رآه بعض الفقهاء -وربما وضحناه فى موضع اَخر- ونختار هذا الرأى للتيسير، كما أنه يقضى ما علم أو غلب على ظنه تركه بعد الاجتهاد فى حصر المتروك، ولا معنى لانشغاله بالنوافل التى لا يحاسب عليها مع الإهمال فى القضاء.

وعلى تارك الصلاة عمدا - مع وجوب القضاء - أن يتوب إلى اللَّه ويواظب عليها ويندم على تقصيره ويعزم عزما صادقا على عدم التهاون فيها. كما يُسَنُّ له أن يبادر بالقضاء قبل مباغتة الأجل أو تغير الظروف التى يعجز معها عن القضاء. ومن مات وهو يقضى ولم يتم الوفاء فأمره مفوض إلى ربه، وبحسب نيته تكون آخرته، والرجاء فى رحمة اللَّه كبير

<<  <  ج: ص:  >  >>