للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حد القذف وحادثة الإفك]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

بعض الناس يقولون: إن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقم حد القذف على الذين أشاعوا حادثة الإفك. وبخاصة رئيس المنافقين فهل هذا صحيح،

الجواب

حادث الإفك سجله القرآن الكريم فى أوائل سورة النور، وروته كتب السنة بإسهاب واتهام الإنسان لغيره بالزنا يسمى قذفا، يوجب حد القاذف ثمانين جلدة إن تبين كذبه فى هذا الاتهام، ومعروف أن الزنا لا يثبت إلا بالإقرار أو البينة، وهى أربعة شهود عدول رأوا الحادثة رؤية لا شبهة فيها، ولو ثبت زنا المقذوف سقط الحد عن القاذف.

وقد حرم الله القذف الذى لا دليل على استحقاق المقذوف له، ووضع له حدًّا رادعًا فقال {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون. إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} النور: ٤، ٥.

وقال سبحانه فيمن رموا السيدة عائشة رضى الله عنها بالإفك {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم. لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذى تولى كِبره منهم له عذاب عظيم} النور: ١١، والذى تولى كبره بالترويج ونشر خبره هو عبد الله بن أُبى بن سلول زعيم المنافقين كما أخرجه البخارى عن عائشة. وكذلك حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش، كما فى رواية البخارى ومسلم.

ولما ظهرت براءة السيدة عائشة هل طبَّق الرسول صلى الله عليه وسلم حد القذف عليهم، جاء فى تفسير القرطبى "ج ١٢، ٢٠١ " أن محمد بن إسحاق وغيره قالوا: إن النبى صلى الله عليه وسلم جلد فى الإفك رجلين وامرأة وهم مسطح وحسان وحمنة، وذكره الترمذى أيضا، وذكر القشيرى أن الذى أُقيم عليهم الحد ثلاثة: عبد الله بن أُبى، وحسان وحِمنة، وأما مسطح فلم يثبت عنه قذف صريح ولكنه كان يسمع ويشيع من غير تصريح، وفى رأى ذكره الماوردى أن الأربعة أقيم عليهم الحد، ثم قال القرطبى: المشهور من الأخبار والمعروف عند العلماء أن الذى حُدَّ حسان ومسطح وحمنة، ولم يسمع بحدٍّ لعبد الله بن أُبى. وذلك الحديث رواه أبو داود عن عائشة، وعلَّل العلماء ذلك بأن الله أعد لعبد الله بن أُبى فى الآخرة عذابا عظيما، فلو حُدَّ فى الدنيا لكان ذلك نقصا من عذابه فى الآخرة وتخفيفًا عنه، وإنما حد المسلمون الثلاثة ليكفر الله عنهم الإثم حتى لا يبقى عليهم تبعة من ذلك فى الآخرة، وفى حديث عبادة بن الصامت مرفوعا فى الحدود " إنها كفارة لمن أقيمت عليه " وقيل: إن ترك حد ابن أبى كان استئلافا لقومه واحتراما لابنه - لأن ابنه كان مؤمنا صادقًا-وإطفاءً لثائرة الفتنة، المتوقعة من ذلك. وقد كان ظهر مبادئها من سعد بن عباده ومن قومه كما فى صحيح مسلم.

فهناك ثلاثة آراء فيمن أقيم عليهم حد القذف، رأى يقول بإقامته على ثلاثة هم:

مسطح وحسان وحمنة، ورأى يقول بإقامته على ثلاثة هم: عبد الله ابن أُبى وحسان وحمنة، أما مسطح فلم يثبت عليه قذف صريح، ورأى يقول بإقامته على أربعة هم: عبد الله بن أبى ومسطح وحسان وحمنة.

والرأى الأول أخرج عبد الله بن أبى من الحد إما سياسة وإما اكتفاء بعذابه العظيم فى الآخرة، أما غيره فكان الحد كفارة لذنبهم لا يعاقبون عليه فى الاَخرة

<<  <  ج: ص:  >  >>