نرى بعض الناس إذا انصرفوا من صلاة الجماعة لصلاة السنة تبادلوا الأمكنة التى كانوا فيها، ولا يصلون السنة فى المكان الذى صلوا فيه الفريضة، فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب
روى أحمد وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن يوطِّن الرجلُ المكان فى المسجد كما يوطن البعير (فعله: أوْطَن أو وطَّن.) .
تحدث العلماء عن هذا الحديث وقالوا: يكره للرجل أن يتخذ له مكانا خاصا فى المسجد لأداء الصلاة فيه، بحيث يمنع غيره أن يصلى فيه، وقد يكون هذا المكان مفضلا كالروضة الشريفة فى المسجد النبوى، فلا يصح استئثار جماعة أو واحد به، بل يدع الفرصة لغيره أن ينال شرف الصلاة فيه.
والذى يغير مواضع صلاته فى المسجد ولا يلتزم مكانا معينا قد يخشى أن يقع تحت طائلة هذا الحديث. ولكن المعقول أنَّ تنقل المصلى فى عدة أماكن من المسجد يُقصد منه كثرة ما يشهد له يوم القيامة بعمل الخير، فإن الثابت أن أشياء كثيرة تكون شاهدة للإنسان أو عليه يوم القيامة، كما قال تعالى {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} النور: ٢٤ وقال: {وقالوا لجلودهم لِمَ شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذى أنطق كل شىء} صح فى الحديث الذى رواه البخارى وغيره أن المؤذن لا يسمع صوته شجر ولا مدر ولا حجر ولا جن ولا إنس إلا شهد له يوم القيامة.
والرجل الذى يريد أن يصلى فى مواضع متعددة من المسجد أو من غيره يريد أن تكثر الشهود له يوم القيامة بالصلاة، والإنسان فى هذا اليوم محتاج إلى كل شاهد يشهد له بالخير ويشفع له. قال تعالى {إذا زلزلت الأرض زلزالها. وأخرجت الأرض أثقالها. وقال الإنسان مالها. يومئذ تحدث أخبارها. بأن ربك أوحى لها} يقول المفسرون: أى تخبر الأرض بما عمل عليها من خير أو شرٍّ يوم القيامة، وروى الترمذى بسند حسن صحيح، أن النبى صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه الأية قال "أتدرون ما أخبارها"؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال "فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول: عمل يوم كذا، كذا وكذا".
هذا وقد روى أبو داود وابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا يصلى الإمام فى مقامه الذى صلَّى فيه المكتوبة حتى يتنحى عنه" كما رويا أنه قال "أيعجز أحدكم إذا صلى أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله" يعنى فى النفل، وفى إسناده هذين الحديثين مقال. "نيل الأوطار ج ٣ ص ٢٠٩" ولكن تغيير مكان الصلاة للنوافل مشروع رجاء تعدد مواضع السجود التى تشهد للمصلى