يحدث أن بعض الناس عندما تقرب نهايتهم يتركون وصية بأن يصلى عليه الجنازة فلان، وأن يدفن فى مكان معين، أو يكون كفنه من قماش معين، وغير ذلك من الوصايا، فهل يجب تنفيذ تلك الوصية، حتى لو صادف التنفيذ بعض الصعاب؟
الجواب
جاء فى كتاب "الأذكار" للنووى "ص ١٦٥ " حديث رواه البخارى عن عائشة رضى الله عنها قالت: دخلت على أبى بكر رضى الله عنه، يعنى وهو مريض فقال: فى كم كفنتم النبى صلى الله عليه وسلم فقلت: فى ثلاثة أثواب، قال: فى أى يوم توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يوم الإثنين، قال فأى يوم هذا؟ قالت:
يوم الإثنين، قال: أرجو فيما بينى وبين الليل. فنظر إلى ثوب عليه كان يمرَّض فيه، به رَدْعٌ -أثر- من زعفران فقال: اغسلوا ثوبى هذا، وزيدوا عليه ثوبين، فكفنونى فيها، قلت: إن هذا خلق - قديم - قال؟ إن الحى أحق بالجديد من الميت، إما هو للمهلة -بضم الميم وفتحها وكسرها وسكون الهاء، وهو الصديد الذى يتحلل من بدن الميت - فلم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ودفن قبل أن يصبح.
وروى البخارى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لمَّا جرح: إذا أنا قبضت فاحملونى، ثم سلِّم وقل - لعائشة -: يستأذن عمر، فإن أذنت لى فأدخلونى، وإن ردتنى ردونى إلى مقابر المسلمين.
وروى مسلم عن عامر بن سعد بن أبى وقاص قال: قال سعد:
ألحدوا لى لحدا، وانصبوا علىَّ اللَّبِن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم وروى مسلم أيضا عن عمرو بن العاص رضى الله عنه أنه قال، وهو فى سياقة الموت: إذا أنا مت فلا تصحبنى نائحة ولا نار، فإذا دفنتمونى فشنوا علىَّ التراب شنا، ثم أقيموا حول قبرى قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربى، قوله شنوا، روى بالسين المهملة، وبالمعجمة يعنى بالشين، ومعناه صبوه قليلا قليلا.
ثم قال النووى بعد هذه الروايات: وينبغى ألا يقلِّد الميت ويتابع فى كل ما وصَّى به، بل يعرض ذلك على أهل العلم، فما أباحوه فعل وما لا فلا، وأنا أذكر من ذلك أمثلة، فإذا أوصى بأن يدفن فى موضع من مقابر بلدته، وذلك الموضع معدن الأخيار يعنى بجوار الصالحين فينبغى أن يحافظ على وصيته، وإذا أوصى بأن يصلى عليه أجنبى فهل يقدَّم فى الصلاة على أقارب الميت؟ فيه خلاف للعلماء، والصحيح فى مذهبنا أن القريب أولى، لكن إن كان الموصى له ممن ينسب إلى الصلاح أو البراعة فى العلم مع الصيانة والذكر الحسن استحب للقريب الذى ليس هو فى مثل حاله إيثاره، ورعاية لحق الميت، وإذا أوصى بأن يدفن فى تابوت لم تنفذ وصيته، إلا أن تكون الأرض رخوة أو ندية يحتاج فيها إليه، فتنفذ وصيته، وكذلك إذا كان فى الأرض سباع يخشى أن تأكل الجثة ولا يحميها إلا التابوت، ويكون من رأس المال كالكفن، وإذا أوصى بأن ينقل إلى بلد آخر لا تنفذ وصيته، فإن النقل حرام على المذهب الصحيح المختار الذى قاله الأكثرون وصرح به المحققون، وقيل مكروه، قال الشافعى رحمه الله: إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس، فينقل إليها لبركتها، وإذا أوصى بأن يدفن تحته مضربة أو مخدة تحت رأسه أو نحو ذلك لم تنفذ وصيته، وكذا إذا أوصى بأن يكفن فى حرير فإن تكفين الرجال فى الحرير حرام، وتكفين النساء فيه مكروه ليس بحرام.
ولو أوصى بأن يكفن فيما زاد على عدد الكفن المشروع أو فى ثوب لا يستر البدن لا تنفذ وصيته، ولو أوصى بأن يقرأ عند قبره أو يتصدق عنه وغير ذلك من أنواع القرب نفذت، إلا أن يقترن بها ما يمنع الشرع منها بسببه، ولو أوصى بأن تؤخر جنازته زائدا عن المشروع لم تنفذ، ولو أوصى بأن يبنى عليه فى مقبرة مسبَّلة للمسلمين لم تنفذ ولو أوصى بأن يبنى عليه فى مقبرة للمسلمين لم تنفذ وصيته، بل ذلك حرام