للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما تعرف به القبلة]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

يشترط بعض الفقهاء استقبال عين الكعبة فى الصلاة، فكيف يعرفها من كان بعيدا عنها؟

الجواب

من كان فى القرى والأمصار التى فيها مساجد وبها محاريب لمعرفة القبلة كان عليه أن يلتزم الاتجاه إلى حيث تتجه المحاريب، وذلك خاص بالمحاريب التى نصبها الصحابة والتابعون، ولا يجوز الاتجاه إلى غيرها، وإلا بطلت صلاته، ومثلها المساجد التى اعتمد المسلمون محاريبها كما قال جمهور الفقهاء.

والمالكية خصصوا المحاريب التى لا يجوز التحرى مع وجودها بأربعة، التى هى: مسجد النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة ومسجد بنى أمية بالشام، ومسجد القيروان بشمالى أفريقيا ومسجد عمرو بن العاص بمصر القديمة.

أما غير هذه المحاريب، فإن كانت بالمصر -أى بالمدينة- وأقرها العارفون بالقبلة جاز لمن كان أهلا للاجتهاد والتحرى أن يقلدها، أما من لم يكن أهلا لذلك فيجب عليه أن يقلدها.

وإن كانت المحاريب بالقرى فلا يجوز لمن كان أهلا للاجتهاد والتحرى أن يقلدها، أما غيره فيقلدها وجوبا إن لم يجد مجتهدا يقلده.

والشافعية يجوِّزون -مع وجود المحاريب- الاستدلال على القبلة بالطرق المعروفة.

هذا الحكم هو بالنسبة للمحاريب الموجودة فى المساجد، فإذا لم توجد محاريب قال جمهور العلماء: يجب عليه أن يسأل أهل الثقة والخبرة إن وجدوا، وإلا اجتهد هو بنفسه، ولعل من أهل الثقة والخبرة " البوصلة " الحديثة المعتمدة من الخبراء، ومن وسائل الاجتهاد النظر فى مواقع الشمس والنجوم إن كان عالما بدلالتها، وللعلماء كلام كثير فى ذلك يطلب من مظانه.

والاجتهاد مهما كانت وسيلته ظنى لا يقينى، ولو تبين خطؤه بعد الصلاة فلا إعادة ولو كان التبين يقينا عند الجمهور، وتجب الإعادة عند الشافعية، أما تبين الخطأ أثناء الصلاة فإنه يضر، وهل يبطل الصلاة أو يلزم إتمامها على الظن الجديد؟ خلاف.

ثم قال العلماء: من ترك الاجتهاد وهو قادر عليه فصلاته باطلة عند الجمهور. هذا ملخص ما قاله العلماء فى فقه المذاهب، وجاء فى كتاب المغنى لابن قدامة "ج ١ ص ٤٦٠، ٤٦١" قوله: قال بعض أصحابنا -أى الحنابلة- الناس فى استقبالها -أى القبلة- على أربعة أضرب:

١- فمنهم من يلزمه اليقين، وهو من كان معاينا للكعبة، أو كان بمكة من أهلها، أو ناشئا بها من وراء حائل محدث كالحيطان، ففرضه التوجه إلى عين الكعبة يقينا، وهكذا إن كان بمسجد النبى صلى الله عليه وسلم، لأنه متيقن صحة قبلته، فإن النبى صلى الله عليه وسلم لا يقر على خطأ.

٢- ومنهم من فرضه الخبر -أى العلم- وهو من كان بمكة غائبا عن الكعبة من غير أهلها ووجد مخبرا يخبره، أو كان غريبا نزل بمكة فأخبره أهل الدار، وكذلك لو كان فى مِصْرٍ أو قرية، ففرضه التوجه إلى محاريبهم وقبلتهم المنصوبة، لأن هذه القبل ينصبها أهل الخبرة والمعرفة، فجرى ذلك مجرى الخبر فأغنى عن الاجتهاد، وإن أخبره مخبر من أهل المعرفة بالقبلة، إما من أهل البلد أو من غيره صار إلى خبره، وليس له الاجتهاد، كما يقبل الحاكم النص من المجتهد ولا يجتهد.

٣-ومنهم من فرضه الاجتهاد، وهو من عدم هاتين الحالتين، وهو عالم بالأدلة.

٤ -ومنهم من فرضه التقليد، وهو الأعمى ومن لا اجتهاد له وعدم الحالين، ففرضه تقليد المجتهدين. والواجب على هذين وسائر من بعد من مكة طلب جهة الكعبة دون إصابة العين.

قال أحمد: ما بين المشرق والمغرب قبلة. فإن انحرف عن القبلة قليلا لم يعد، ولكن يتحرى الوسط، وبهذا قال أبو حنيفة. وقال الشافعى فى أحد قوليه كقولنا، والآخر: الفرض إصابة العين، لقول الله تعالى: {وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} ولأنه يجب عليه التوجه إلى الكعبة فلزمه التوجه إلى عينها كالمعاين.

ولنا -أى دليل الحنابلة- قول النبى صلى الله عليه وسلم " ما بين المشرق والمغرب قبلة" رواه الترمذى وقال: حسن صحيح، وظاهره أن جميع ما بينهما قبلة، ولأنه لو كان الغرض إصابة العين لما صحت صلاة أهل الصف الطويل على خط مستو، ولا صلاة اثنين متباعدين يستقبلان قبلة واحدة، فإنه لا يجوز أن يتوجه إلى الكعبة مع طول الصف إلا بقدرها، وشطر البيت نحوه وقِبَلَه ثم ذكر ابن قدامة فى صفحة ٤٩٥ أن دلالة المشرك على القبلة لا تتبع بحال من الأحوال، وذلك لأن الكافر لا يقبل خبره ولا روايته ولا شهادته، لأنه ليس بموضع أمانة، انتهى.

فهل معنى ذلك أن الآلات التى يعرف بها اتجاه القبلة، ومنها "البوصلة" والتى صنعها غير المسلمين لا يجوز الاعتماد عليها؟ الأمر يحتاج إلى نظر، وبخاصة أنها منتشرة إلى حد كبير.

وجاء فى نيل الأوطار للشوكانى "ج ٢ ص ١٧٥" بعد ذكر حديث "ما بين المشرق والمغرب قبلة" قوله: والحديث يدل على أن الفرض على من بعد عن الكعبة هو الجهة لا العين، وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد، وهو ظاهر ما نقله المزنى عن الشافعى، وقد قال الشافعى أيضًا: إن شطر البيت وتلقاءه وجهته واحد فى كلام العرب. ثم ذكر أن أظهر القولين للشافعى أن فرض من بعد عن مكة هو العين، وأنه يلزمه ذلك بالظن

<<  <  ج: ص:  >  >>