[الضمير]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
شاع بين الناس استعمال كلمة الضمير كأنها ترادف الدين الإله، فهل من سبب لذلك، وما موقف الدين منه؟
الجواب
كثر استعمال كلمة الضمير أخيرا، وشاعت أكثر ما شاعت فى الأوساط الغربية. كمظهر من مظاهر الروح العامة للنهضة الأوروبية التى اتجهت بفكرها وسلوكها بعيدا عن الدين، حيث جعلوا الإحساس الداخلى بديلا عنه، فهو يتولى التمييز بين الخير والشر، ويدعو إلى الأول وينهى عن الثانى، وشاع استعمال هذا اللفظ أيضا فى الشرق تقليدا للغرب.
وهو وإن لم يرد كثيرا فى الاستعمال القديم بهذا المعنى فقد تحدث علماء الأخلاق كالغزالى وابن مسكويه عن مهمته بعنوان آخر، ففى إحياء علوم الدين عند شرح الغزالى عجائب القلب قال: إنها نفس الإنسان التى توصف بالمطمئنة إذا سكنت تحت الأمر وزايلها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات، والتى توصف باللوامة إذا لم يتم سكونها واعترضت على النفس الشهوانية، كما توصف بالأمارة بالسوء إن تركت الاعتراض وأطاعت الشهوات، كما تحدث عنها فى كتاب المراقبة والمحاسبة ضمن كتاب " الإحياء " وعبر عنها مرة بالنور الإلهى وأخرى بالمعرفة والهادية للمرء فى أعماله.
إن هناك حديثا يدل على وجود هذه القوة الباطنة وهو حديث وابصة ابن معبد الذى سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال له " يا وابصة، استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك فى القلب وتردد فى الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك " رواه أحمد، وروى مسلم قوله صلى الله عليه وسلم " البر حُسن الخلق، والإثم ما حاك فى صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس " وروى البغوى فى مصابيح السنة "من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ".
والغزالى يرى أن نشاط الضمير يظهر فى ثلاثة مواطن، الأول قبل الشروع فى العمل، بالنظر إلى الباعث عليه، فإن كان لله أمضاه، وإن كان لغيره انكف عنه والثانى عند الشروع فى العمل، بقضاء حق الله فيه وإنجازه على أكمل ما يمكن، والثالث بعد العمل، وذلك بمحاسبة النفس على ما وقع منها.
ومهما يكن من شىء فإن الضمير بالمعنى الذى يريده فلاسفة الغرب تحدث عنه علماء الإسلام، لكنهم تناولوا بالحديث آثاره وخواصه، أما ماهيته فقد أحجم الغزالى عن تحديدها، لأنه ليست هناك فائدة عملية من معرفة كنهها، وذلك من اختصاص الله سبحانه.
وحديث الغرب عنها كان لمعرفة هل هى قوة فطرية أو كسبية، ولهم فى الإجابة ثلاثة مذاهب يمكن الرجوع إلى معرفتها فى كتابنا " دراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة".
وليكن معلوما أن الضمير إذا كان قوة فطرية فللتربية دخل كبير فى نموها وكمالها وأعظم ما يربيها هو الدين، قال تعالى: {ونفس وما سوَّاها. فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها} الشمس: ٧ - ١٠ فالتعبير بالتسوية وإلهام الفجور والتقوى إشارة إلى عمل الله فيها، والتعبير بالتزكية والتدسية إشارة إلى عمل الإنسان.
إن التربية البشرية البعيدة عن هدى الدين لا تضمن للضمير استقامته فى أداء مهمته، فالبشر يخطئون ويصيبون.
ففى القديم رضى قوم لوط عن فعلتهم، وفى الحديث رأت بعض الحكومات عدم اعتبار هذه الرذيلة شذوذا، وأجمعت الأديان على بشاعة الظلم والقتل والاغتيال، فبررته الصهيونية والاستعمار.
أما التربية الدينية فتقوم على مراقبة الله قبل العمل وفى أثنائه وبعده، وأثرها هو تقوى الله، وبتقوى الله تكون السعادة الشاملة فى الدنيا والآخرة مع مراعاة أن التربية على هدى الدين لا تضمن العصمة من الخطأ،ولكن ترشد المخطئ إلى التوبة والرجوع إلى الاستقامة، "انظر كتابنا المذكور"