للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القلب والروح والنفس والعقل]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

ما الفرق بين القلب والروح والنفس والعقل؟

الجواب

من أحسن من تكلم عن القلب والروح والنفس والعقل الإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين " فى شرح عجائب القلب، وقال:

اعلم أن هذه الأسماء الأربعة تستعمل فى هذه الأبواب، ويقل فى فحول العلماء من يحيط بهذه الأسامى واختلاف معانيها وحدودها ومسمياتها، وأكثر الأغاليط منشؤها الجهل بمعنى هذه الأسامى واشتراكها بين مسميات مختلفة، ثم أخذ يتحدث عن كل منها بما موجزه:

١ -القلب يطلق لمعنيين:

أحدهما: اللحم المعروف الذى يضخ الدم.

والثانى: هو لطيفة ربانية روحانية لها تعلق بهذا القلب الجسمانى وهذه اللطيفة هى حقيقة الإنسان والمدرك العام العارف منه والمخاطب بالتكليف، والمجازى عليه ولم يستطع أن يدرك العلاقة بين هذين المعنيين للقلب لأن ذلك من علوم المكاشفة التى لا تفيد معها الحواس المعروفة، ولأنه يؤدى إلى إفشاء سر الروح الذى لم يتكلم فيه الرسول فغيره أولى.

وقال: إذا استعملنا لفظ القلب فى الكتابة والشرح فالمراد به اللطيفة الربانية لا القلب العضوى.

٢- الروح لها معنيان:

أحدهما: جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسمانى يسرى فى جميع أجزاء البدن سريان نور السراج إلى كل أجزاء البيت، فالحياة مثل النور الواصل للجدران والروح مثل السراج، وسريان الروح وحركته فى الباطن مثل حركة السراج فى جوانب البيت. وهذا المعنى يهتم به الأطباء.

والمعنى الثانى للروح: هو لطيفة عالمة مدركة من الإنسان، وهو المعنى الثانى للقلب، وما أراده الله بقوله {قل الروح من أمر ربى} الإسراء: ٨٥، وهو أمر عجيب ربانى تعجز أكثر العقول والأفهام عن درك حقيقته.

٣- النفس: لفظ مشترك بين عدة معان، يهمنا منها اثنان:

أحدهما: أن يراد به المعنى الجامع لقوة الغضب والشهوة فى الإنسان، ويهتم أهل التصوف بهذا المعنى، لأنهم يريدون بالنفس الأصل الجامع للصفات المذمومة من الإنسان فلابد من مجاهدتها.

والمعنى الثانى: هى اللطيفة التى ذكرناها، التى هى الإنسان بالحقيقة، وهى نفس الإنسان ذاته، ولكنها توصف بأوصاف مختلفة بحسب اختلاف أحوالها، فإذا سكنت تحت الأمر وفارقها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات سميت النفس المطمئنة، قال تعالى {يا أيتها النفس المطمئنة. ارجعى إلى ربك راضية مرضية} الفجر: ٢٧، والنفس بالمعنى الأول لا يتصور رجوعها إلى الله فهى مبعثرة عنه وهى من حزب الشيطان.

وإذ لم يتم سكونها ودافعت الشهوات واعترضت عليها سميت النفس اللوامة، وإن تركت المدافعة والاعتراض وأطاعت الشهوة والشيطان سميت النفس الأمارة بالسوء.

٤ - العقل: وهو أيضا مشترك لمعان مختلفة ذكرناها فى كتاب العلم، ويهمنا هنا معنيان.

أحدهما: أنه يراد به العلم بحقائق الأمور، فيكون العقل عبارة عن صفة العلم الذى محله القلب.

والثانى: أنه المدرك للعلوم، فيكون هو القلب بمعنى اللطيفة الربانية المدركة العالمة.

ثم يقول الغزالى بعد ذلك: إن معانى هذه الأسماء موجودة، وهى القلب الجسمانى والروح الجسمانى والنفس الشهوانية والعلوم "كذا" فهذه أربعة معان يطلق عليها الألفاظ الأربعة، ومعنى خامس وهى اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان، والألفاظ الأربعة بجملتها تتوارد عليها، فالمعانى خمسة والألفاظ أربعة وكل لفظ أطلق لمعنيين، وأكثر العلماء قد التبس عليهم اختلاف هذه الألفاظ وتواردها، فتراهم يتكلمون فى الخواطر ويقولون: هذا خاطر العقل وهذا خاطر الروح وهذا خاطر القلب وهذا خاطر النفس، وليس يدرى الناظر اختلاف معانى هذه الأسماء.

ثم يقول: وحيث ورد فى القرآن والسنة لفظ القلب فالمراد به المعنى الذى يفقه من الإنسان ويعرف حقيقة الأشياء، وقد يكنى عنه بالقلب الجسمانى الذى هو فى الصدر لأن بينهما علاقة.

هذا ملخص ما قاله الإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين " لنعرف أن أى لفظ من هذه الألفاظ قد يراد به أى معنى من هذه المعانى، وللاجتهاد مجال فيه.

والذى يهتم بذلك هم العلماء النفسيون والتربويون، وفى ذلك دراسات مستفيضة متخصصة وتكفى هذه النبذة لمعرفة بعض ما يتعلق بهذه الألفاظ ومعانيها

<<  <  ج: ص:  >  >>