للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّين على الميت

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

ما حكم من مات وعليه دين لم يقم أهله بسداده، هل تحجب الرحمة عن الميت؟

الجواب

إذا مات الإنسان وعليه دين لغيره وجب أن يقوم ورثته بسداد الدين قبل تقسيم التركة كما قال تعالى فى آية المواريث {من بعد وصية يوصى بها أو دين} النساء: ١١ وذلك إذا كان عنده مايسدُّ به الدين، فإن لم توجد له تركة تفى بسداد الدين فلا يجب على الورثة شىء، وإن كان من السنة أن يقوموا هم بذلك حتى تنزل عليه رحمة الله. فهى لا تزال محبوسة عنه. ويمكن لغير أهله أن يتصدقوا بسداد دينه حتى يرحمه الله.

ومحل حجب الرحمة عنه حتى يسد دينه إذا كان ناويا قبل الموت ألا يسد الدين، أما إذا كان ناويا السداد فنرجو ألا يحجب الله عنه رحمته، لقول النبى صلى الله عليه وسلم " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أحنها يريد إتلافها أتلفه الله " رواه البخارى.

وروى مسلم عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدين فيسأل " هل ترك لدينه قضاء"؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال " صلوا على صاحبكم " فلما فتح الله عليه الفتوح قال " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفى وعليه دين فعلىَّ قضاؤه، ومن ترك مالا فهو لورثته " وفى حديث الطبرانى " من دان بدين فى نفسه وفاؤه ومات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء " وروى أحمد وأبو نعيم والبزار والطبرانى عن النبى صلى الله عليه وسلم " يدعى صاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يدى الله عز وجل فيقول: يا ابن آدم، فيمَ أخذت هذا الدين، وفيم ضيعت حقوق الناس؟ فيقول: يا رب إنك تعلم أنى أخذته فلم آكل ولم أشرب ولم أضيع، ولكن أتى علىَّ إما حرق وإما سرق وإما وضيعة، فيقول الله: صدق عبدى، وأنا أحق من قض عنك، فيدعو الله بشىء فيضه فى كفة ميزانه فترجح حسناته على سيئاته، فيدخل الجنة بفضل رحمته ".

والميت الذى عليه دين لم ينو الوفاء به تحجب عنه الرحمة كما قال النبى صلى الله عليه وسلم "نفس الميت معلَّقة بدينه حتى يقض عنه " رواه أحمد وابن ماجه والترمذى وقال: حديث حسن، وإذا كان الشهيد نفسه، وهو من هو منزلة عند الله، لا ينال هذه الدرجة إذا كان عليه دين للعباد، كما صح فى الحديث " يغفر للشهيد كل شىء إلا الدين " رواه مسلم، فكيف بغير الشهيد؟ وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم عن المفلس يوم القيامة فقال " إن المفلس من أمتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتى وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقض ما عليه أخذ من خطاياها فطرحت عليه ثم طرح فى النار " رواه مسلم وروى البخارى مثله بلفظ " من كانت عنده مظلمة لأخيه، من عِرضه أو من شىء، فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ".

إن الدين خطير تجب المبادرة بسداده قبل الموت وقبل أن تكون المواجهة بين المدين وأصحاب الحقوق يوم القيامة فربما لا يسامحون، وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم تذكو فى الصلاة أن فى بيته بعض الأموال لم تسلم إلى أصحابها، فتوجه بعد الانتهاء منها بسرعة لافتة للنظر وأمر بدفعها إلى أصحابها وعاد إلى المسجد ولما سألوه قال " تذكرت مالاً فخشيت أن يحبسنى " أى يحبسه الله يوم القيامة ويسأله: لمَ لم تؤده. رواه البخارى.

ومن أراد التوسعة فى معرفة خطر الدين على الميت فليراجع " نيل الأوطارج ٤ ص ٥ ٢، وتفسير القرطبى ج ٤ ص ٢٧٢ "

<<  <  ج: ص:  >  >>