[وصية بمنفعة مؤبدة]
المفتي
حسن مأمون.
شوال سنة ١٣٧٥ هجرية - ٤ يونية سنة ١٩٥٦ م
المبادئ
١ - الوقف المعلق بالموت أو المضاف إليه الصحيح انه وصية تلزم بالموت من الثلث فقط ولا يزول به الملك وهو بمنزلة الوصية بالمنافع مؤبدا.
٢ - لا يجوز لأحد من الموصى اليهم بمنفعة قدر من الأطيان سواء كان وارثا أم غير وارث أن يتصرف فى هذه القدر أو فى بعضه ببيع أو هبة ونحوها لأنه لا حق له إلا فى المنفعة فقط
السؤال
من السيد / ص.
(بما مضمونه) اطلعنا على السؤال وعلى صورة رسمية من اشهاد الوصية الصادر من المرحوم ح.
أمام محكمة بنى سويف الشرعية بتاريخ ١٣ ربيع ١٢٩٦ هجرية وتبين أنه أوصى بجميع منفعة الأطيان التى قدرها ثمانمائة وسبعة وخمسون وكسور المبينة الحدود والمعالم باشهاد الوصية المذكور للأشخاص المعينين بهذا الاشهاد.
وجعل لكل واحد منهم نفعة قدر معلوم من هذه الأطيان وصية مضافة إلى ابعد وفاته وبعد أن بين اسماء الموصى لهم والمقدار الذى يستحق كل واحد من الموصى لهم منفعته قال ما نصه وصية شرعية مخرجة من ثلث ماله حسب اعترافه بذلك وشهادة الشهود المذكورين يستوفى كل واحد منهم منفعة قدر ما أعطى إليه مما بين أعلاه بالاستغلال أبدا مؤبدا مضافا ذلك إلى ما بعد الموت صدقة منه واحسانا لهؤلاء الأسماء الموضح أسماؤهم أعلاه كل منهم القدر المبين له فيه.
هذا وقد ذكر حضرة المشهد الموصى إليه بأن يستوفى كل واحد منهم وعقبهم الشرعيين منفعة ما أعطى إليه من الأطيان المذكورة بالاستغلال فى المستقبل أبدا مؤبدا ومن لا عقب له فيعود الموصى به لورثة حضرة المشهد ثم قربة الصدقة وذلك انه حدث به حادث.
وتبين من السؤال أن هذا الموصى توفى ١٢٩٧ هجرية ونفذت الوصية إلى الموصى لهم طبقا لشروطه ثم توفى بعض الموصى لهم عقما وهم سرور أغا وبنت لعلى أغا الحبشى والست حسن مليك وقرنى فرج وعبد المطلب فرج وعيسى فرج وكان آخرهم موتا فى سنة ١٩٤٢ م وأن الموجود من ورثة الموصى حين وفاة هؤلاء العقماء هم السيدة خديجة بنت الموصى وأولاد ابن أخيه الشقيق ثلاثة ذكور وانثيان وهم اسحاق وزكريا ومحمد فريد وتفيدة ونجيبة فقط.
وطلب السائل معرفة الحكم الشرعى فيما إذا كانت هذه الوصية تعتبر وقفا أو وصية وكيف تقسم أنصبة الموصى لهم الذين توفوا عقماء المشار إليهم أنفا بين ورثته المذكورين الذين كانوا موجودين وقت وفاة هؤلاء العقماء
الجواب
أولا عن الشق الأول - أنه ظاهر من شروط هذا المشهد الواردة بالاشهاد الرسمى المذكور أن هذا التصرف يخرج من ثلث مال المشهد لنصه على ذلك بقوله (وصية مخرجة من ثلث ماله حسب اعترافه بذلك وشهادة الشهود المذكورين) وأنه تصرف بمنفعة القدر الموصى به لا بعينه لقوله (يستوفى كل واحد منهم منفعة قدر ما أعطى إليه مما بين أعلاه بالاستغلال) وقوله (بأن يستوفى كل واحد منهم وعقبهم الشرعيين منفعة ما أعطى إليه من الأطياتن المذكورية بالاستغلال) وأنه أيضا تصرف مضاف لماب عد الموت لقوله (وصية مضافة إلى ما بعد الموت وقوله (مضافا ذلك إلى ما بعد الموت صدقة منه واحسانا الخ) وهو كلك تصرف مؤبد غير مؤقت لقوله (بالاستغلال أبدا مؤبدا) وقوله (بالاستغلال فى المستقبل أبدا مؤبدا ومن لا عقب له فيعود الموصى به لورثة حضرة المشهد ثم قربة الصدقة وذلك أن حدث به حادث.
هذا وقت اختلف فقهاء الحنفية فى اعتبار مل هذا التصرف.
هل هو من قبيل الوقف أو من قبيل الوصية بالمنفعة المؤبدة فمال إلى الأول فريق منهم ورجح الثانى فرق آخر.
ونحن نرى اتماما للفائدة أن نذكر ما نقل عن كل فريق منهم وحجته لتحصل المقارنة ولتتضح المفاضلة ثم نبين الراجح والمرجوح وما يجب العمل به والمصير إليه.
فما ذكر عن أصحاب الرأى الأول القائلين بأنه من قبيل الوقف هو ما نقله العلامة ابن عابدين فى حاشيته رد المحتار على الدر المختار فى باب الوقف ج ٣ ص ٤٩٦ عن الفتح ما نصه (فرع يثبت الوقف بالضرورة وصورته أنه لو أوصى بغلة هذه الدار للمساكين أبدا أو لفلان وبعده للمساكين ابدا فإن الدار تصير وقفا بالضرورة.
والوجه أنها كقوله إذا مت فقد وقفت دارى على كذا - انتهى - قال ابن عابدين أى فهو من المعلق بالموت وسيأتى الكلام عليه وأنه كوصية من الثلث.
وذكر فى البحر منها (أى من الفاظ الوقف) لو قال اشتروا من غلة دارى هذه كل شهر بعشرة دراهم خبزا وفرقوه على المساكين صارت الدار وقفا انتهى - وعزاه للذخيرة وبسط الكلام عليه فى انفع الوسائل وقال لا أعلم فى المسألة خلافا بين الأصحاب (أى ابن عابدين) ومقتضاه ان الدار كلها تصير وقفا من ثلث ماله ويصرف منها الخبز على ما عينه الواقف والباقى إلى الفقراء لأنهم مصرف الوقف فى الأصل ما لم ينص على غيرهم إلى ان قال وقد سئلت عن نظير هذه المسألة فى رجل أوصى بأن يؤخذ من غلة دارى كل سنة كذا درهم يشترى به زيت لمسجد كذا.
ثم باع الورثة الدار واشترطوا على المشترى دفع ذلك المبلغ كل سنة للمسجد فأفتيت بعدم صحة البيع وبأنها صارت وقفا حيث تخرج من الثلث -انتهى - فالذى يفهم من هذه النصوص أن التصرف المذكور فى حادثة السؤال يعتبر من قبيل الوقف وينفذ من الثلث.
وهذا هو ما أفتى به المرحوم الشيخ المهدى فى فتاواه ص ٥٨٨/٥٨٩ من الجزء الثانى من باب الوقف.
أما ما ذكره أصحاب الرأى الثانى القائلين بأن هذا التصرف من قبيل الوصية بالمنفعة فهو ما جاء فيه ص ٤٩٨ من حاشية رد المحتار من الجزء المذكور عند (قوله لا مضافا) ما نصه (يعنى إلى ما بعد الموت فقد نقل فى البحر أن محمدا نص فى السير الكبير أنه إذا أضيف إلى ما بعد الموت يكون باطلا عند أبى حنيفة - انتهى - نعم سيأتى فى الشرح أنه يكون وصية لازمة من الثلث بالموت لا قبله - انتهى - وفى ص ٥٠١ من الحاشية المذكورة قال ابن عابدين (والحاصل أنه إذا علقه بموته فالصحيح أنه وصية لازمة لكن لم يخرج من ملكه فلا يتصور التصرف فيه ببيع ونحوه بعد موته لما يلزم من ابطال الوصية وله أن يرجع قبل موته كسائر الوصايا وانما يلزم بعد موته بحر ومثله فى الفتح.
ومحصل هذا ان المعلق بالموت لا يكون وقفا فى الصحيح فلا يزول به الملك قبل الموت ولا بعده بل يكون وصية لازمة حتى لا يجوز التصرف به لا قبله حتى جاز له الرجوع عنه.
وهذا معنى قول الشارع فالصحيح أنه كوصية الخ فأنه قصد به تحويل كلام المصنف لأن كلامه فيما يزول به الملك لا فيما يلزم ولا ينافى هذا ما قدمناه من الاتفاق على التلازم بين اللزوم والخروج عن الملك لأن ذلك فى الوقت وأما المعلق بالموت فليس وقفا كما علمت فلا يلزم من لزومه وصية أن تخرج عن الملك) انتهى.
وجاء فى تقرير الشيخ الرافعى على حاشية رد المحتار ص ٧٥ ج ٢ ما نصه (قوله لثبوت التلازم بين اللزوم والخروج عند ملكه باتفاق) هذا ظاهر فى الوقت المحكوم به وأما إذا علق بالموت أو قال وقفتها فى حياتىوبعد وفاتى مؤبدا فالصحيح أنه وصية تلزم بالموت من الثلث ولا يزول الملك وهو بمنزل الوصية بالمنافع مؤبدا كما يأتى توضيح ذلك فى كلامه) - انتهى - (قوله ثلث ومقتضاه أن الدار كلها تصير وقفا من ثلث ماله الخ) تقدم أن الوقف المعلق بالموت أو المضاف إليه الصحيح أنه وصية تلزم بالموت من الثلث وهو بمنزلة الوصية بالمنافع مؤبدا فعلى هذا لا تكون الدار موقوفة حقيقة بل محبوسة لهذه بمنزلة الوصية فاذا بقى شئ مما عينه يكون لورثته لما علمت أن هذا ليس وقفا حقيقة تأمل) - انتهى - (قوله فلا ينافى عدم صحته معلقا بالموت) ولو مطلق موته وان لزم بالموت من الثلث لأن لزومه انما هو على أنه وصية لازمة لا وقف كما يأتى) - انتهى - ومن هذا يتبين بجلاء أن الرأى الراجح الذى نميل إليه وحكمه أنه لا يجوز لأحد من الموصى اليهم بمنفعة هذا القدر من الأطيان سواء كان وارثا أم غير وارث أن يتصرف فى هذه الأطيان أو فى شئ منها ببيع أو هبة أو نحوها كما قال ابن عابدين ذلك فيما قلناه عنه أنفا لأنه لا حق لأحد منهم إلا فى المنفعة فقط ثم تبقى هذه الوصية مؤبدة يتصرف فيها طبقا لشروط الموصى.
ويرجح هذا الرأى أيضا ان الايصاء بالمنفعة مؤبدا قد أقر مبدأه قانون الوصية رقم ٧١ لسنة ١٩٤٦ وإن كان هذا القانون لايطبق على هذه الوصية ولا تمشى جميع أحكامه فى هذا الموضوع مع فقه مذهب أبى حنيفة والراجح منه إلا أن تقريره هذا المبدأ يقوى وجهة نظر أصحاب هذا الرأى ويجعلنا نطمئن إلى ترجيحه - ثانيا - عن الشق الثانى - أنه إذا كان لا يوجد من ورثة الموصى أحد سوى بنته خديجة وأولاد ابنى أخيه الشقيق وهم اسحاق وزكريا ومحمد فريد وتفيدة ونجيبة وقت وفاة العقماء الموصى لهم المسئول عن كيفية تقسيم نصيبهم وهم سرور أغا وبنت لعلى أغا الحبشى والست حسن مليك وقرنى فرج وعبد المطلب فرج فيكون عملا بقول الموصى (من لا عقب له فيعود الموصى به لورثته حضرة المشهد) تقسم منفعة الموصى به لكل واحد من العقماء المذكورين بين ورثة الموصى المذكورين طبقا لأحكام الميراث فتستحق بنته الست خديجة النصف فرضا ويستحق أبناء ابنى أخيه الشقيق الثلاثة النصف الباقى بالسوية بينهم تعصيبا ولا شئ للسيدتين تفيدة ونجيبة لأنهم من ذوى الأرحام المؤخرين فى الميراث عن أصحاب الفروض والعصبات.
ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال بشقيه حيث كان الحال ما ذكر به.
والله سبحانه وتعالى أعلم