[الشروط فى عقد الزواج]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
بعض الحركات التحرريه للنهوض بالمرأة تتجه الآن إلى وضع قيود فى عقود الزواج تضمن للزوجة حقها وتساعدها على الإسهام بحرية فى تنمية المجتمع. فهل فى الشريعة الإسلامية ما يكفل للمرأة ذلك؟
الجواب
إلى جانب ما تقدم ذكره فى صفحة ٣٥١ من المجلد الثالث من هذه الفتاوى وكذلك فى صفحة ٢٥٤ من المجلد الرابع، وفى صفحة ٢٦٠ من المجلد الأول، وفى غير ذلك من المواضع التى تبين إنصاف الإسلام للمرأة والإشادة بدورها فى حياة الأسرة والمجتمع.
والضمانات التى تصون عن الانحراف فى الحقوق والواجبات - إلى جانب ذلك أقول:
١ -إن الجهل بالإسلام يؤدى إلى الانحراف فى كل شىء، وإلى التردى فى هواية التقليد الأعمى. ثم نسبة ذلك إلى الإسلام وهو منه برئ.
إن التشريع الإسلامى نظم العلاقة بين الرجل والمرأة مراعيا الاستعداد الطبيعى لكل منهما، والمهمة الأساسية التى خلقا من أجلها، والمكان المناسب الذى يباشر فيه كل منهما نشاطه، بروح التعاون والاشتراك فى المسئولية لصالح الطرفين ولصالح المجتمع.
٣ -إن عدم الفهم الصحيح لهذا الإطار التعاونى ولإمكانات كل من الطرفين. يتيح الفرصة للتأثر بالآراء المتطرفة. ويحمل المرأة بالذات على النضال من أجل المساواة الكاملة بينها وبين الرجل، مع التغاضى عن التفاوت فى القدرات ونسيان شرف المهمة الأساسية المناسبة لها، وهذا يحول الرجل من شعوره بالحب نحو المرأة والعطف عليها لضعفها ورقتها، إلى الشعور بالكراهية والنفور، وإلى الغلظة والقسوة فى معاملتها، شأن كل عدوين يناضلان فى معركة حامية وجها لوجه.
وتنقلب الحياة الزوجية بالذات من السكن والمودة اللتين جعلهما الله آية من آيات حكمته ونعمة من أكبر نعمه فى خلق المرأة للرجل والتزاوج لتكوين أسرة مستقرة هى اللبنة الأساسية فى بناء المجتمع والخلية الأولى فى جسم الجنس البشرى المؤهل لتحقيق الخلافة فى الأرض - تنقلب إلى جحيم يصلاه كل منهما ويصلاه النسل والمجتمع كله.
وبهذا التحول فى الشعور نحو الطرفين سيكون أول من يكوى بناره هو المرأة التى بدأت المعركة وحاولت أن تصمد فيها على الرغم من شعورها بقسوة المعاناة، وحينئذ يصدق عليها المثل القائل: "على نفسها جنت براقش " وصدق الله إذ يقول: {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه} الطلاق: ١، ويقول: {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه} الفتح: ١٠، ويقول: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} الشورى:
٣٥.
٤ -إن خلق المرأة للرجل وعدم استغناء أحد منهما عن الآخر أمر ضرورى للتكاثر وبقاء الجنس البشرى، ضمن القانون العام الذى قال الله فيه {ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون} الذاريات: ٤٩.
٥ -إن التناسل البشرى ليس كالتناسل الآخر يجتمع فيه أى ذكر مع أية أنثى وينتج عن ذلك نسل ضائع بينهما، بل إن هناك تنظيما للقاء بين الرجل والمرأة أساسه الزواج الشرعى الذى تحدد فيه الحقوق والواجبات بالنسبة لكل منهما وبالنسبة للنسل الذى ينتج عنهما، ومن هنا أبطل الإسلام، بل أبطلت كل الأديان السماوية، أى لقاء بين الرجل والمرأة لا تلزم فيه الشروط والقواعد التى جاء بها الدين.
والشروط الشرعية لصحة عقد الزواج معروفة. وأى إخلال بها يفسد العقد أو يعطى الفرصة لفسخه لمخالفته لحكمة الزواج وتكوين الأسرة.
٦ -بعد هذا أقول: إن أى شرط فى عقد الزواج يتنافى مع حكمته أو مع نص شرعى أو أمر مجمع عليه يكون باطلا، وذلك لحديث "المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلال " رواه الحاكم وصححه بلفظ " المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق من ذلك " ولحديث البخارى ومسلم "إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج ".
وقد اتفق العلماء على عدم الوفاء باشتراط ترك الوطء وترك الإنفاق والخلو من المهر، واختلفوا فى شرط الإقامة فى بلد الزوجة وألا يتسرَّى عليها أو لا يتزوج أخرى عليها.
إن اشتراط عدم زواج الزوج بزوجة أخرى ممنوع ولا يصح أن يفرضه الحاكم، ولأنه يؤدى إلى مفسدة بل مفاسد. ذلك أن المحتاج إلى زوجة أخرى، وشرط عليه الامتناع سيلجأ إلى أحد أمور كلها صعبة، إما الطلاق وإما الكبت والحرمان إن كان متدينا وإما الانحراف بالزنا إن لم يعصمه دين، وإما إلى الزواج العرفى الذى لا تقيم له الجهات الرسمية وزنا، وإما إلى التحايل لإيجاد مبررات كاختلاق عيوب فى زوجته قد يطول تحقيق هذا الاختلاق، مع ما فيه من كشف للأسرار والسوءات، فالمنع لا يحل المشكلة إن كانت مشكلة بل يزيدها تعقيدا "ج ٦ ص ١٥٥ من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ".
يقول النووى: حديث الوفاء بالشرط هو فيما يقتضيه النكاح من نفقة وعشرة بالمعروف إلى آخره، لكن ما يخالف مقصود النكاح لا يجب الوفاء به كألاَّ يقسم لها-أى يعطيها نصيبها عند تعدد الزوجات - ولا يتسرى عليها-أى لا يتمتع بأمة يملكها- ولا يسافر بها، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: "كل شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل " رواه البزار والطبرانى عن ابن عباس وصححه، وقال أحمد وجماعة: يجب الوفاء بالشروط مطلقا لعموم الحديث.
يقول ابن قدامة فى كتاب المغنى "ج ٧ ص ٤٤٨ - ٤٥١ " عن حكم الشروط فى النكاح ما ملخصة. هناك ثلاثة أنواع من الشروط:
الأول: ما يلزم الوفاء به، وهو ما يعود إلى الزوجة نفعه، مثل أن يشترط لها ألا يخرجها من دارها أو بلدها، فإن لم يف لها فلها الفسخ، فإن شرطت عليه أن يطلق ضرتها لم يصح الشرط، وقيل:هو شرط لازم، لأنه لا ينافى العقد، ولها فيه فائدة.
والثانى: ما يبطل الشرط ويصح العقد، كأن يشترط أن لا مهر لها، أو لا ينفق عليها، أو تشترط هى ألا يطأها، أو أن يكون لها النهار دون الليل، أو تنفق هى عليه فكلها شروط باطلة، أما العقد فهو صحيح.
والثالث: ما يبطل النكاح من أصله، كما لو اشترط تأقيت النكاح، أو أن يطلقها لوقت بعينه، أو أن يعلق النكاح على شرط، كأن يقول: إن رضيت أمها.
ومما أثر من اختلاف جهات النظر فى ذلك ما رواه الترمذى أن عمر رضى الله عنه قال: إذا تزوج الرجل المرأة وشرط لها ألا يخرجها من مصرها-بلدها-فليس له أن يخرجها بغير رضاها. ورفع رجل إلى عمر قضية زوجته التى شرط لها دارها، وعزم على الرحيل إلى أرض أخرى، فقال له: لها شرطها، فقال الرجل: هلك الرجال، إذ لا تشاء امرأة أن تطلق زوجها، إلا طلقت، فقال عمر: المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم.
وعن على رضى الله عنه أنه سئل عن ذلك فقال: شرط الله قبل شرطها. أخرجه الترمذى أيضا. وابن حجر فى "فتح البارى ج ٩ ص ١٢٤ " تحدث عن الشروط فى النكاح وقول البخارى: قال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط، وذكر قول الخطابى:
إن الشروط فى النكاح مختلفة، فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقا، وهو ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وعليه حمل بعضهم هذا الحديث -وهو: أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج - ومنها ما لا يوفى به اتفاقا، كسؤال طلاق أختها، ومنها ما اختلف فيه كاشتراط ألا يتزوج عليها أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله.
وذكر ابن حجر أن أحمد يقول: بوجوب الوفاء بالشروط مطلقا- وأن عمر تضادت الروايات عنه فى رجل شرط لامرأته ألا يخرجها من دارها، فمرة قال: المرأة مع زوجها ومرة قال:لها شرطها.
هذا بعض ما فى كتب الفقه، يتبين منه أن الاشتراط فئ عقد الزواج إذا كان ينافى مقصود النكاح فهو باطل، والبطلان إما للعقد وإما المشرط مع صحة العقد، أما ما لا ينافى مقصود النكاح مثل سفرها معه أو زيارتها لأهلها: فلا يبطل العقد، أما الوفاء به ففيه خلاف، قيل بوجوب الوفاء كما قال أحمد وقيل بعدم وجوبه كما قال الشافعى.
وإذا كان الفقهاء قد ضربوا أمثلة من واقع حياتهم وعصورهم فالأمثلة تختلف باختلاف البيئات والعصور، وينظر فيها على ضوء القواعد الأساسية القديمة المشار إليها فيما ذكر