[التعصب الدينى]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يتحدث بعض الناس عن التعصب الدينى، فما هو هذا التعصب، وهل من التعصب تمسك الإنسان بدينه وحفاظه عليه؟
الجواب
إذا وجد بين الناس فرد أو جماعة أخذت نفسها بالتشدد فى تطبيق أحكام الإسلام فهى وما أخذت نفسها به فى سلوكها الخاص، ولكن نذكرهم بما فى الدين من سماحة ويسر، فقد صح فى الحديث الشريف "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا.. . " رواه البخارى، وفيه أيضا "هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون " رواه مسلم. وسلوك هؤلاء - وإن كان شخصيًا- لا يخلو من تأثير على الغير الذى قد يعتقد أو يظن أن الإسلام هو بهذه الصورة التى عليها هؤلاء، فيرغب عنه وينصرف إلى غيره، أو يطبقه على مضض، لأن فيه ما لا طاقة له به من تكاليف.
أما فرض هؤلاء المتشددين سلوكهم على غيرهم فإن الإسلام يأباه وينفر منه، وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم نصح معاذا وزميله عند بعثهما إلى اليمن بقوله " يسِّرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا" رواه مسلم. وقال "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" رواه البخارى ومسلم، واشتد النبى على معاذ لما أطال الصلاة بالناس وشكوه إليه فقال له "أفتان أنت يا معاذ" رواه البخارى ومسلم.
إن التعصب لرأى فى الدين ينشأ من سوء الفهم، فإن الفروع الفقهية التى هى مجال للتعصب فيها خلاف عند المجتهدين، أما الأصول فهى واضحة لا يكاد يجهلها أحد، والرأى الاجتهادى ليس تنزيلا من عند الله يلتزم، وليس هو صوابا دائما، بل هو عرضة للخطأ أو يحتمله وقد أثر عن الفقهاء الأولين قولهم: رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب.
والسلف الصالح -على الرغم من اختلاف رأيهم فى بعض المسائل الفرعية - كانوا إخوة متحابين، يقتدى بعضهم ببعض فى الصلاة، ويتزاورون ويتعاونون فى الخير، والتعصب للرأى هو فى حقيقته اتباع للهوى، والله يقول {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله} الجاثية: ٢٣، ويقول:
{ولا تكونوا من المشركين. من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا كل حزب بما لديهم فرحون} الروم: ٣١، ٣٢. والتعصب إذا كان بمعنى تمسك الإنسان بدينه وحرص، على أداء واجبه دون تفريط فيه تحت التأثير بإغراء أو تهديد. فهو أمر محمود، وهو مِنْ أخذ الدين بالقوة الذى يشير إليه قوله تعالى {خذوا ما آتيتاكم بقوة} البقرة: ٦٣.
والحرص على أداء الواجب والتمسك بالدين لا يعنى كراهية المخالفين بصورة تؤدء، إلى النزاع والشقاق وإثارة الفتن. فالله يقول فى المخالفين للدين {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} التوبة: ٧، ويقول: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} الممتحنة: ٨، والنبى صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم فى الأولى والآخرة " قالوا وكيف يا رسول الله؟ قال "الأنبياء إخوة من علات وأمهاتهم شتى ودينهم واحد فليس بيننا نبى " رواه مسلم. وفى نزاع بين مسلم ويهودى قال: "لا تفضلونى بين أنبياء الله " رواه مسلم، وفى الحديث الشريف "ليس منا من دعا إلى عصبية" رواه مسلم. ومن التعصب المحمود ما يكون ضد الأعداء المحاربين، وعليه يحمل قوله تعالى {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} آل عمران: ٢٨، وقوله {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم. . .} الجاثية: ٢٢، وقوله {لا تتخذوا عدوّى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق} الممتحنة: ١.
وأُحذِّر المتعصبين أن يخرج بهم تعصبهم إلى رمى غيرهم من المسلمين بالكفر جزافا، فإن من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، كما ثبت فى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم.
والخلاصة أن التشدد فى تطبيق الدين لا يقره الإسلام، فالله يقول {فاتقوا الله ما استطعتم} التغابن: ١٦، ويقول {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} البقرة: ١٨٥، والتعصب للرأى وفرضه على الغير ممنوع.
والتعصب للحق الذى لامراء فيه ممدوح، بشرط عدم الإضرار بالآخرين والمسئولون هم الذين يتولون إصلاح الخارجين على الحق. والتعصب للوطن ككل، والوقوف ضد المحاربين له واجب، والتعصب ضد الأنبياء ممنوع، وضد أتباعهم كذلك ممنوع ما داموا مسالمين