للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[محاريب المساجد]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

هل المحاريب الموجودة الآن بالمساجد بدعة؟

الجواب

يقول الله تعالى {يعملون له مايشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات} سبأ: ١١٣، وذلك خبر عن تسخير الجن لسيدنا سليمان عليه السلام وقيامهم بهذه الأعمال التى منها المحاريب.

والمحاريب جمع محراب، ومعناه فى اللغة كما فى القاموس المحيط: الغرفة وصدر البيت وأكرم مواضعه، ومقام الإمام من المسجد، والموضع ينفرد به الملك فيتباعد عن السلطان، وجاء فى نهاية ابن الأثير: المحراب هو الموضع العالى المشرف، وهو صدر المجلس أيضا، ومنه محراب المسجد، وهو صدره وأشرف موضع فيه. وجاء فى تفسير القرطبى -إلى جانب المعانى المذكورة- أنه ما يرقى إليه بالدرج كالغرفة الحسنة، كما قال "إذ تسوروا المحراب " وقوله "فخرج على قومه من المحراب " أى أشرف عليهم.

وفى نهاية ابن الأثير أن النبى صلى الله عليه وسلم أرسل عروة بن مسعود إلى قومه بالطائف، فأتاهم ودخل المحراب محرابا له، فأشرف عليهم عند الفجر، ثم أذن للصلاة. وجاء فيها أيضا ان النبى صلى الله عليه وسلم كان يكره المحاريب، أى لم يكن يحب أن يجلس فى صدر المجلس، ويترفع عن الناس، كما جاء فيها أنه أتى برجل ارتد عن الإسلام فقال كعب:

أدخلوه المذبح، وضعوا التوراة، وحلفوه بالله، المذبح واحد المذابح وهى المقاصير، وقيل: المحاريب.

والمذبح عند أهل الكتاب مقصورة مرتفعة نحو متر ونصف المتر ذات أعمدة ليس بينهما حواجز، وفوقها سقف تحته خلاء توضع فيه القرابين. وهذه المقصورة داخل حجرة فسيحة أمام المعبد، يصعد إليها بسلم ذى درجات قليلة تسمى الهيكل، لا يدخله إلا الكهنة وأرباب الخطايا الذين يريدون المغفره.

وهذه المحاريب للكنائس وبيوت العبادة لأهل الكتاب، وكانت تتعبد فيها مريم كما جاء فى قوله تعالى: {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجدعندها رزقا} آل عمران: ٣٧ وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عنها، فقد جاء فى حديث رواه البيهقى: "اتقوا هذه المذابح " وفى رواية ابن أبى شيبة "لا تزال هذه الأمة -أو قال أمتى- بخير ما لم يتخذوا فى مساجدهم مذابح كمذابح النصارى ".

فهل محاريب المساجد الإسلامية الآن مثل محاريب النصارى؟ لا، لأنها ليست غرفا، وليست مرتفعة عن أرض المسجد، ولم يتميز بالجلوس فيها جماعة من المسلمين، وإنما هى علامات على اتجاه القبلة، وقد تكون مجوفة وغير مجوفة، تبين مقام الإمام من المأمومين، لأن السنة أن يقف الإمام إزاء وسط الصف.

فالحكم بكراهة اتخاذ المحاريب "مقاصير ومذابح النصارى " أساسه إما اختفاء الإمام عن المأمومين، وإما ارتفاعه عليهم بدون مبرر، وكان الصحابة يكرهون أن يكون الإمام مرتفعا عليهم، لأنه يوحى بالكبر.

ومحاريب المسلمين الآن لا صلة لها بهذه الأسباب، فهى -كما سبق- علامة على القبلة، وتعليم جهتها أمر مشروع، وقد غرز النبى صلى الله عليه وسلم خشبة فى مسجد قوم أسامة بعد أن خطه لهم، ليكون دليلا على القبلة. فدل هذا على مشروعية إرشاد المصلى إلى القبلة.

ولم يكن لمسجد النبى صلى الله عليه وسلم فى زمنه محراب، وأحدثه عمر بن عبد العزيز.

فهو ليس بدعة مذمومة "مجلة الأزهر- مجلد ٦ ص ٤٦٩، تفسير القرطبى ج ١١ ص ٨٤، ٨٥".

وجاء فى "إعلام الساجد بأحكام المساجد" للزركشى ص ٣٦٤: كره بعض السلف اتخاذ المحاريب فى المسجد، وفى مصنف عبد الرزاق عن الحسن أنه صلى واعتزل الطاق ان يصلى فيه، والطاق هو المحراب الذى يقف فيه الإمام.

وفى شرح الجامع الصغير للحنفية: لا بأس أن يكون مقام الإمام فى المسجد، وسجوده فى الطاق، ويكره أن يكون فى الطاق، لأنه يشبه اختلاف المكانين، ألا ترى أنه يكره الانفراد. اهـ والمشهور الجواز بلا كراهة، ولم يزل عمل الناس عليه من غير نكير.

بعد هذا أقول، إن محاريب المساجد اليوم ليست هى المحاريب والمقاصير التى فى معابد أهل الكتاب، وعلى هذا فلا كراهة فى عملها ولا فى الصلاة فيها، ويوجد فى بعض الكتب حملة عنيفة على المحاريب، لكن المقصود منها محاريب أهل الكتاب بأوصافها التى لا توجد فى محاريب المساجد "انظر كتاب غذاء الألباب للسفارينى الحنبلى ج ٢ ص ٢٧٣ ".

" تراجع مجلة الأزهر عدد ربيع الأول ١٤١١ هـ، والمجلد السادس ص ٤٦٩ ".

والمحراب المجوف فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم قيل أول من اتخذه عثمان ابن عفان سنة ٢٦ هـ عند بنائه، وقيل مروان بن الحكم سنة ٦٥ هـ أثناء تجديده، وقيل عمر بن عبد العزيز أيام إمارته على المدينة وتجديده للمسجد سنة ٩٠ هـ

<<  <  ج: ص:  >  >>