للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وجوب التبليغ عن المخالفات]

المفتي

عبد المجيد سليم.

جمادى الأولى ١٣٦٢ هجرية ١٩ من يونيه ١٩٤٣ م

المبادئ

يجب على من يعلم أن من التجار من يبيع بأسعار مرتفعة تزيد عن الأسعار المقررة أن يبلغ الحكومة.

كما يجب عليه أن يبلغها عمن يختزن من أقوات المسلمين وما يلزمهم فى معاشهم وهو واجب كفائى

السؤال

من وزارة التموين قالت يتحرج بعض الناس من التبليغ ضد التجار الجشعين لبيعهم المواد بأسعار مرتفعة فادحة تزيد على الأسعار المقررة، أو ضد من يختزنون أقوات الناس وأهم ما يلزمهم من احتياجات معاشهم من ذوى الأطماع ومنتهزى الفرص لاعتقادهم أن هذا التبليغ ليس واجبا عليهم شرعا بينما ترى الوزارة أن التبليغ عن هؤلاء المجرمين توجبه الشريعة.

فما رأى الشريعة السمحاء فى ذلك

الجواب

اطلعنا على كتاب وزارة التموين رقم ٣٢٥ المؤرخ ١٦/٥/١٩٤٣ ونفيد أنه إذا قررت الحكومة أسعارا لما يحتاجه الناس فى معيشتهم من طعام ولباس وغيرهما دفعا لظلم أربابها ومنعا للضرر العام عن الناس وجب شرعا البيع بهذه الأسعار وكان البيع بأزيد منها من الظلم المحرم شرعا وإذا نهت عن اختزان ما يحتاجه الناس كان الاختزان أيضا محرما شرعا ومنكرا يجب إزالته ويجب على كل من يعلم أن من التجار من يبيع بأسعار زائدة عن الأسعار المقررة أو يختزن ما يحتاجه الناس مما نهوا عن اختزانه أن يبلغ الحكومة لتعمل على إزالة هذا المنكر وتغييره فإنها لا تستطيع إزالته إلا إذا علمت به فإذا توقف منع الظالمين عن ظلمهم وإزالة المنكر على تبليغ وإعلام الحكومة به وجب شرعا على من يعلم أن يبلغها ويعلمها بذلك لأن ذلك سعى فى إزالة الظلم والسعى فى إزالة الظلم من أعظم وجوه البر.

وقد قال الله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} المائدة ٢، وكيف لا يكون هذا ظلما وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على تحريم الاحتكار وهو احتباس الشىء انتظارا لغلائه.

فقد روى مسلم فى صحيحه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال.

لا يحتكر إلا خاطىء الخاطىء المذنب العاصى وروى أحمد بن حنبل رحمه الله عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال من دخل شىء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة) أى بمكان عظيم من النار وروى أيضا عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال من احتكر حكرة يريد أن يغلى بها على المسلمين فهو خاطىء وقد روى هذا الحديث الحاكم بما نصه - من احتكر حكرة يريد أن يغلى بها على المسلمين فهو خاطىء وقد برئت منه ذمة الله، وروى ابن ماجه عن عمر أنه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس إلى غير ذلك من الأحاديث.

وهذه الأحاديث تدل بمجموعها بطريق العبارة أو بطريق دلالة النص على تحريم اختزان أقوات الناس وسائر ما يحتاجون إليه فى معايشهم من غير فرق بين قوت الآدمى والدواب وبين غيره.

وقصر حظر الاحتكار على قوت الآدمى والدواب قصر لا يقوم عليه دليل.

كيف. وظاهر أن العلة هى الإضرار بالناس وهى متحققة فى كل ما يحتاجون إليه ولا تقوم معيشتهم إلا به.

هذا ولولى الأمر أن يسعر ما يحتاج إليه الناس إذا كان فى هذا التسعير إكراه التجار على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ الزيادة عليه وذلك إذا امتنع أرباب السلع عن بيعها مع حاجة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة كما هو حال التجار الآن فى هذه الحالة يجب عليهم بيعها بقيمة المثل ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بالبيع بهذه القيمة.

والتسعير هاهنا كما قال شيخ الإسلام ابن القيم فى كتابه الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية إلزامهم بالعدل الذى ألزمهم الله به.

وماورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تركه التسعير ومن قوله إن الله هو القابض الباسط هو من قبيل واقعة الحال التى لا تعم إذ ليس فى هذه الواقعة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية أن أحدا امتنع عن بيع ما الناس يحتاجون إليه وحينئذ فالتسعير كما قال ابن القيم فى هذه الحالة جائز بل واجب.

فإذا سعرت الحكومة وجب العمل بما سعرت به وحرم تعدى السعر الذى حددته لأن طاعة ولى الأمر واجبة بالكتاب العزيز وبالسنة الصحيحة وبإجماع علماء المسلمين إذا أمر بما ليس بمعصية.

هذا وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية فى كتابه الجوامع فى السياسة الإلهية ما خلاصته.

ولو كان رجل يعلم مكان المال المطلوب بحق أو الرجل المطلوب بحق وجب عليه الإعلام به والدلالة عليه ولا يجوز كتمانه فإن هذا من باب التعاون على البر والتقوى وذلك واجب إلى أن قال.

فإذا امتنع هذا العالم من الإعلام بمكان المال المطلوب بحق أو الرجل المطلوب بحق جاز عقوبته بالحبس وغيره حتى يخبر به لأنه امتنع من حق واجب عليه.

وهذا مطرد فيما يتولاه الولاة والقضاة وغيرهم فى كل من امتنع من حق واجب عليه من قول أو فعل وليس هذا من قبيل عقوبة الرجل بإثم غيره حتى يدخل فى قوله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} فاطر ١٨، بل هذا يعاقب على ذنب نفسه وهو أن يكون قد علم بمكان الظالم الذى يطلب حضوره لاستيفاء الحق منه أو يعلم بمكان المال الذى قد تعلق به حقوق المستحقين فامتنع من الإعانة ومن النصرة الواجبة عليه بالكتاب والسنة والاجماع.

إما محاباة وحمية لذلك الظالم وإما إعراضا عن القيام لله بالقسط الذى أوجبه الله تعالى وجبنا وفشلا وخذلانا إلى آخر ما قال.

وما معنا من قبيل أو نظير ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية والخلاصة.

أنه يجب على من يعلم أن من التجار من يبيع بأسعار مرتفعة تزيد عن الأسعار المقررة أن يبلغ الحكومة ذلك.

كما يجب عليه أن يبلغها من يختزن أقوات المسلمين وما يلزمهم فى معاشهم كما جاء فى كتاب الوزارة.

وإذا كان من يعلم ذلك شخصا واحدا وجب عليه وحده التبليغ فإن ليم يبلغ كان آثما.

وإذا كان من يعلم أكثر من واحد وجب على كل منهم أن يبلغ فإذا قام به بعضهم لم يأثم أحد منهم لحصول المقصود بتبليغ بعضهم.

وإذا تركوا كلهم التبليغ كانوا جميعا لآثمين كما هو حكم الواجب الكفائى

<<  <  ج: ص:  >  >>