[التاريخ وذكر مساوئ الموتى]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
سمعنا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " اذكروا محاسن موتاكم " فلماذا يدرس التاريخ وفيه كشف لمساوئ السابقين؟
الجواب
روى البخارى وغيره عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا ".
وروى أحمد والنسائى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا " وروى البخارى ومسلم أن جنازة مرت على النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأثنوا عليها خيرا فقال " وجبت " ثم مرت جنازة أخرى فقالو عنها شرا فقال " وجبت " ولما سألوه عن معنى ما قال قال " ما أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن قلتم عنه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله فى الأرض ".
ومن المشاهد أنه عندما يموت إنسان له شأن فى الدنيا يتحدث الناس عنه إما بالخير وإما بالشر، والحديث بالخير إشادة بذكره وتكريم له، وتعزية لأهله أن الناس راضون عنه، والحديث بالشر تشويه لسمعته وإهانة له، وزيادة ألم على أهله، وقد يقصد به التشفى الذى يورث الأحقاد التى ربما تؤدى إلى نزاع يحتدم ويشتد وتكون له آثاره السيئة.
والحديث عن الميت لا أثر له عند الله سبحانه فهو العليم بما - يستحقه من تكريم أو إهانة، وقد يكون حديث الناس عنه دليلا ولو ظنيا على منزلته عند ربه، لكن ذلك لا يكون إلا من أناس على طراز معين من الصلاح والإنصاف والتقوى وقول الحق لوجه الحق كالصحابة الذين قال النبى فيهم " أنتم شهداء الله فى الأرض ".
ومع ذلك نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يذكر الأموات بالسوء إذا كان ذلك للتشفى من أهله، فذلك يغيظهم ويؤذيهم، والإسلام ينهى عن الإيذاء لغير ذنب جناه الإنسان، ولا يؤثر على منزلته عند الله الذى يحاسبه على عمله. وقد قال صلى الله عليه وسلم فى قتلى بدر من المشركين " لا تسبوا هؤلاء فإنه لا يخلص إليهم شىء مما تقولون، وتؤذون الأحياء " وعندما سب رجل أبًا للعباس كان فى الجاهلية كادت تقوم فتنة، فنهى عن ذلك.
ودراسة التاريخ إن كانت لغرض الاعتبار والإقتداء بالصالحين - وللتحذير من تقليد غير الصالحين، دون قصد للتشهير والتعيير الذى - يظهر أثره على ذويهم من الأحياء فلا مانع منها أبدا، بدليل أن الله سبحانه قص علينا فى القرآن الكريم أخبار المكذبين كما قص أخبار الرسل والصالحين. وقال فى حكمة ذلك {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فى هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} هود: ١٢٥، وقال تعالى {لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل كل شىء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} يوسف: ١١١.
يقول بعض العلماء: إن سب الموتى يكون فى حق الكافر وفى حق المسلم، أما فى حق الكافر فيمتنع إذا تأذى به الحى المسلم - أو ترتب عليه ضرر- وأما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك، كأن يصير مات قبيل الشهادة عليه، وقد يجب فى بعض المواضع. وقد تكون مصلحة للميت كمن علم أنه أخذ مالاً بشهادة زور ومات الشاهد، فإن ذكر ذلك ينفع الميت إن علم أن من بيده المال يرده إلى صاحبه، والثناء على الميت بالخير والشر من باب الشهادة لا من باب السب.
ومن الجائز تجريح الرواة للحديث أحياء وأمواتا، وذلك لإجماع العلماء على جوازه، وذكر مساوئ الكفار والفساق للتحذير منهم والتنفير عنهم. قال ابن بطال: سب الأموات يجرى مجرى الغيبة، فإن كان أغلب أحوال المرء الخير، وقد تكون منه الفلتة فالاغتياب له ممنوع، وإن كان فاسقا معلنا فلا غيبة له، وكذلك الميت، ومع ذلك فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
والأولى أن ينشغل المرء بعيوب نفسه، ولا يتورط فى سب إنسان قد يكون بريئا عند الله، إلا إذا دعت إلى ذلك حاجة أو ضرورة، وهى تقدر بقدرها، والأعمال بالنيات، ولنقبل على عمل الخير حتى يكون لنا ذكر حسن على ألسن الناس بعد أن نفارقهم فيدعوا لنا بخير