[سداد الدين بعملة مغايرة]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
إذا اتفق شخص مع شركة على شراء سلعة بثمن معلوم يدفع فى المستقبل، واتفق مع مصرف على أن يمول تلك الصفقة بعملة غير العملة التى تم بها الشراء، فهل يجوز أن يراعى عند السداد سعر العملة التى تمت بها الصفقة وقت السداد، أو يراعى سعرها وقت التعاقد؟
الجواب
هذه الصورة ليست بيع عملة بعملة، ولكنها سداد دين تعلق بالذمة كالقرض. والأصل فى سداد الدين أن يكون بالعملة نفسها، فإذا كان هناك اتفاق على السداد بعملة أخرى فالاتفاق معتبر، سواء أكان بالسعر وقت تعلق الدين بالذمة أو وقت الوفاء به، وإن لم يكن هناك اتفاق فلا يُرغَمُ الدائن على قبول عملة تحقق له خسارة، ومن هنا رأى المدين أن يراعى سعر العملة وقت السداد، وهو ما يقضى به العدل والإحسان فى القضاء الذى نص عليه الحديث "إن خيركم أحسنكم قضاء" كما رواه البخارى ومسلم.
لكن ورد حديث صورته قريبة من هذه الصورة إن لم تكن عينها أو مثلها: وهو: أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقلت له: إنى أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير واَخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم واَخذ الدنانير، فقال "لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء " رواه الخمسة - أحمد وأصحاب السنن الأربعة - وقد صححه الحاكم وأخرجه ابن حبان والبيهقى. لكن الترمذى ذكر أن الحديث موقوف على ابن عمر وليس مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم والبيهقى قال عنه: تفرد برفعه: سماك بن حرب، وقال شعبة: رفعه سماك وأنا أفرقه (كذا) .
ومهما يكن من شيء فقد قال الشوكانى: فيه دليل على جواز الاستبدال عن الثمن الذى فى الذمة بغيره، وظاهره أنهما غير حاضرين جميعا، بل الحاضر أحدهما وهو غير اللازم فيدل على أن ما فى الذمة كالحاضر، وفيه أن جواز الاستبدال مقيد بالتقابض فى المجلس، لأن الذهب والفضة مالان ربويان فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر إلا بشرط وقوع التقابض فى المجلس، وهو محكى عن عمر وابنه عبد الله والحسن والحكم وطاووس والزهرى ومالك والشافعى وأبى حنيفة والثورى والأوزاعى وأحمد وغيرهم - وروى عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب -وهو أحد قولى الشافعى -أنه مكروه، أى الاستبدال المذكور، والحديث يرد عليهم.
واختلف الأولون -وهم المجيزون -فمنهم من قال: يشترط أن يكون بسعر يومها كما وقع فى الحديث، وهو مذهب أحمد، وقال أبو حنيفة والشافعى: إنه يجوز بسعر يومها وأغلى وأرخص، وهو خلاف ما فى الحديث من قوله "بسعر يومها" وهو أخص من حديث "إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد" فيبنى العام على الخاص، انتهى ما قاله الشوكانى فى نيل الأوطار ج ٥ ص ١٦٦ ".
والظاهر أن الصورة التى فى السؤال هى التى فى الحديث، واشترط فيها التقابض فى المجلس، أى وقت عقد الصفقة، إعمالا لحديث بيع العملة بعملة أخرى بشرط التقابض، وعليه فإن الصورة المسئول عنها لا تصح لأن العملة الأخرى مؤجلة لا تقبض إلا بعد مضى مدة من وقت الشراء.
وهذا فى صورة بيع أو استبدال عملة بعملة، لكن روى عن ابن عمر صورة فيها قضاء دين بعملة مغايرة، وهى أنه سئل عن أجيرين له عليهما دراهم، وليس معهما إلا دنانير، فقال أعطوه بسعر السوق، لأن هذا جرى مجرى القضاء، فقيد بالمثل كما لو قضاه من الجنس والتماثل هاهنا، دنانير بدراهم - من حيث القيمة لتعذر التماثل من حيث الصورة.
ألا يدل هذا الكلام على أنه يجوز سداد الدين بعملة أخرى بسعر يوم السداد، وهو متأخر عن يوم الاستدانة؟ الأمر يحتاج إلى نظر.
هذه الرواية الثانية عن ابن عمر- ذكرها الدكتور أبو سريع عبد الهادى - خريج كلية الشريعة والقانون بالأزهر- فى كتابه "الربا والقرض فى الفقه الإسلامى ص ٧٢" معتمدا فى نقله على المصادر الآتية:
(١) المغنى ج ٤ ص ٥٢، ٥٤، ٥٥.
(٢) حاشية ابن عابدين ج ٥ ص ٢٦٦، ٢٦٧.
(٣) الكافى ج ٢ ص ٦٤٣، ٦٤٤.
(٤) كشاف القناع.
هذا، وقد قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامى فى دورة مؤتمره الثامن المنعقد فى بندر سربجادن بإمارة بروناى دار السلام عدة قرارات، منها:
ا -يجوز أن يتفق الدائن والمدين يوم السداد لا قبله على أداء الدين بعملة مغايرة لعملة الدين إذا كان ذلك بسعر صرفها يوم السداد، وكذلك يجوز - فى الدين على أقساط بعملة معينة - الاتفاق يوم سداد أى قسط أيضا على أدائه كاملا بعملة مغايرة بسعر صرفها فى ذلك اليوم. ويشترط فى جميع الأحوال ألا يبقى فى ذمة المدين شىء مما تمت عليه المصارفة فى الذمة، مع مراعاة القرار رقم ٥٥ / ١ / د ٦ بشأن القبض.
٢ -يجوز أن يتفق المتعاقدان عند العقد على تعيين الثمن الآجل أو الأجرة الموجلة بعملة تدفع مرة واحدة أو على أقساط محددة من عملات متعددة أو بكمية من الذهب، وأن يتم السداد حسب الاتفاق.
"مجلة الهداية الصادرة بالبحرين فى ربيع الثانى ١٤١٤ هـ (أكتوبر ١٩٩٣ م) "