[الصلاة عن الميت]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل يجوز للابن أن يصلى الفوائت عن والده المتوفى؟
الجواب
الصلاة فرض عين لا تقبل النيابة ولا الوكالة، لأنها حق الله سبحانه على كل عبد، وليس هناك عذر لتركها أبدا، فهى تؤدى من قيام أو قعود أو اضطجاع، فى السلم وفى الحرب، بحركات الجسم والعقل وبأية وسيلة ممكنة، لأنها صلة بين العبد وربه، لا يمكن للعاقل أن يستغنى عنها، ولا يقبل الله من يقوم بها بدل العبد، فالشحنة الروحية لا يمكن أن تنتقل ممن حصل عليها إلى غيره أبدا، فالصلة مقطوعة.
ولأهمية الصلاة جعلها الحديث الشريف الذى رواه مسلم الفرق بين المسلم والكافر فمن تركها عمدا جحدا أو استهزاء كفر، وإذا فاتت وجب قضاؤها، ومن لم يقضها يحاسب عليها حسابا عسيرا إن لم يغفر الله له. ولهذا لا يجوز للابن ولا لغيره أن يصلى الفوائت عن المتوفى، لقول الله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} النجم: ٣٩، وقول النبى صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم، ولأن الأصل فى الفروض العينية أن يؤديها الشخص بنفسه إلا ما استثنى كالصوم والزكاة والحج، فإنه يمكن أن يؤديها عنه غيره لورود النص الصريح فى ذلك.
أما الصلاة للوالد المتوفى - لا الصلاة عنه - فجائزة، حيث يمكن للولد أن يصلى نافلة ويهب ثوابها لوالده فينتفع بها إن شاء الله.
إن جمهور العلماء على أن قضاء الصلاة المفروضة عن الميت ممنوع، ونقل ابن بطال الإجماع عليه ولكن الإجماع غير صحيح، لأن هناك من يقول بجواز ذلك، ودليله:
١ - ما رواه البخارى أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء -يعنى ثم ماتت -فقال: صلى عنها.
٢ -ما رواه ابن أبى شيبة بسند صحيح أن امرأة قالت لابن عباس رضى الله عنهما: إن أمها نذرت مشيا إلى مسجد قباء، أى للصلاة، فأفتى ابنتها أن تمشى لها. وأخرجه مالك أيضا فى الموطأ.
٣-أن بعض التابعين وعلماء السلف أجاز الصلاة عن الميت.
قياسا على الدعاء والصدقة والحج. ورد الجمهور على ذلك بأن النقل عن ابن عمر وابن عباس مختلف، فقد جاء فى الموطأ للإمام مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يصلى أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، وأخرج النسائى عن ابن عباس مثل ذلك القول. فالنقل متضارب عنهما، وإن كان يمكن الجمع بأن المنع عن القضاء هو فى الفرض أو النذر، وأن الجواز هو فى النفل وقال الحافظ: يمكن الجمع بين النقلين بجعل جواز القضاء فى حق من مات، وجعل النفى فى حق الحى" نيل الأوطار للشوكانى ج ٩ ص ١٥٥ ".
يقول النووى فى مقدمة شرحه لصحيح مسلم: جاء فى البخارى فى باب من مات وعليه نذر أن ابن عمر أمر من ماتت أمها وعليها صلاة أن تصلى عنها، وحكى صاحب "الحاوى" وهو الماوردى عن عطاء بن أبى رباح وإسحاق بن راهويه أنهما قالا بجواز الصلاة عن الميت، ومال الشيخ أبو سعيد عبد الله بن محمد بن هبة الله بن أبى عصرون من أصحابنا المتأخرين فى كتابه " الانتصار" إلى اختيار هذا. وقال الإمام أبو محمد البغوى من أصحابنا فى كتابه " التهذيب ": لا يبعد أن يطعم عن كل صلاة مُدٌ من طعام. وهو أساس القول بإسقاط الصلاة بالصدقة وغيرها.
قال النووى: وكل هذه المذاهب ضعيفة، ودليلهم القياس على الدعاء والصدقة والحج، ثم ساق دليل من يمنعون الصلاة عن الميت. وقد سبق ذكره.
فقول الجمهور بعدم جواز قضاء الصلاة عن الميت هو المختار للفتوى، ولا يصح غيره حتى لا يتهاون الناس بهذه الفريضة التى هى من الإسلام بمنزلة الرأس من الجسد، أما الصلاة للميت أى الصلاة النافلة التى يهب ثوابها له فلا مانع منها وقد جاء النص عليها كالعبادات الأخرى.
ونقل الآلوسى فى تفسيره عن ابن حزم جواز صلاة النذر والفرض إن نسيه أو نام عنه ولم يصل حتى مات، لدخول ذلك تحت قول النبى صلى الله عليه وسلم "فحق الله أحق أن يقضى "ووجهة نظره أن الصلاة مقيسة على الصوم والحج والدَين الذى منه الزكاة، حيث ورد النص بقضائها عن الميت.
ومهما يكن من شىء فرأى الجمهور على عدم قضاء الصلاة المفروضة عن الميت، أساسه أنها لا تقبل النيابة استقلالا ولا تبعا، وما قيل من أن الذى يحج عن الميت سيصلى ركعتين عنه للطواف عند مقام إبراهيم، فلماذا لا يصلى عنه الصلوات الأخرى - فهو مردود، لأن صلاة ركعتى الطواف سنة لا فريضة، وتابعة للفريضة لا مستقلة، ولا تجوز النيابة فيها فى الحياة ولا بعد الممات " الفتاوى الإسلامية - المجلد الرابع -صفحة ١٤٩١ وما بعدها"