للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[السحر]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

ما حكم الدين فى السحر؟

الجواب

يقول الله تعالى {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا: إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله فى الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} البقرة:

١٠٢.

مادة السحر التى وردت فى القرآن الكريم ستين مره تعطى فيما تعطى من المعانى: الغرابة والخروج على المألوف بما يجذب الانتباه ويثير العجب، ومنه القول المأثور: إن من البيان لسحرا، وله أنواع وأساليب ذكرها الفخر الرازى فى تفسيره.

وقد أشار القرآن الكريم إلى اشتهار المصريين القدماء به، وذكر موقفهم من دعوة موسى عليه السلام، ومعجزة العصا التى انقلبت حية وابتلعت حبال السحرة وعصيهم التى يخيل لمن يراها أنها تسعى، كما مارسته بابل القديمة حتى ضرب به المثل فى كل جميل غريب فيقال: " سحر بابلى ". وعرفه العرب قبل الإسلام، وما يزال معروفا إلى الآن.

وتفيد الآية الكريمة المذكورة عدة أمور:

(أ) أن السحر حقيقة تاريخية موجودة، بصرف النظر عن كونه تخييلا يجعل الإنسان ينظر إلى الشىء على غير حقيقته، أو كونه يقلب الشىء عن حقيقته ويحوله إلى حقيقة أخرى، والذى يجب الإيمان به أن ما كان من انقلاَب عصا موسى إلى حية ليس سحرا، وإنما هو معجزة من صنع الله تعالى، خرق بها العادة، وحول حقيقة العصا الجامدة الميتة إلى حية متحركة بقدرته سبحانه، سم أعادها بقدرته أيضا إلى حقيقتها الأولى.

وجاء تعبير القرآن الكريم عما فعله السحرة بقوله {سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم} الأعراف: ١١٦، وقوله تعالى {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} سورة طه: ٦٦.

(ب) أن للسحر تأثيرا بالنفع والضر {يفرقون به بين المرء وزوجه} .

(ج) أن تأثيره لا يكون إلا بإذن الله " {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} .

(د) أن السحر كفر {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر، {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} فما هو متعلق الكفر فيه، هل هو تعليمه وتعلمه، أو هو العمل به، أو هو اعتقاد أنه يؤثر بنفسه دون تدخل إرادة الله؟ .

حول هذه الأسئلة الثلاثة ثار اجدل واحتدم النقاش وتعددت الآراء وذلك مبسوط فى كتب التفسير، وعلى الأخص تفسير الفخر الرازى، وفى كتاب الزواجر لابن حجر الهيتمى من علماء القرن العاشر الهجرى.

ومن بين هذه الآراء يمكن اختيار ما يأتى:

١ - أن اعتقاد تأثيره بعيدا عن إرادة الله تعالى كفر، وذلك محل اتفاق.

٢ - أن ممارسته من أجل الإضرار بالناس حرام، حتى مع اعتقاد أنه يؤثر بإذن الله، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار.

٣- أن ممارسته لتحقيق مصلحة مع اعتقاد أنه يؤثر بإذن الله لا حرمة فيها.

قال القرطبى: هل يسأل الساحر حل السحر عن المسحور؟ قال البخارى:

عن سعيد بن المسيب رضى الله عنه يجوز وإليه مال المارزى، وكرهه الحسن البصرى. وقال الشعبى: لا بأس بالنشرة، وفسرت بالرقية لعلاج المسحور (الزواجر لابن حجر: ج ٢ ص ١٠٤) .

٤ - أن تعلمه أو تعليمه يرجع فيه إلى المقصود منه، فإن كان خيرا كمعرفة الفرق بينه وبين المعجزة -كما جاء فى أمثلة العلماء-أو استعماله للمصلحة فلا حرمة فيه، كنوع من الثقافة التى عبر عنها بعض الحكماء بقوله:

عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه * ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه.

وإن كان المقصود من ذلك شرا فهو حرام، فالأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى.

وبهذا يفهم حديث البخارى ومسلم الذى جعل السحر من السبع الموبقات، أى كبائر الذنوب، والوسائل التى تستخدم فى السحر يعرفها الممارسون له والخبراء به - فقد تكون بالاستعانة بالجن، وقد تكون بمعرفة خواص بعض الكائنات، وقد تكون بالإيحاء والاستهواء، وبغير ذلك، فالوسائل إما من ذات الساحر، وإما من غيره، وهذا الغير إما كائن حى أو غير حى، وقد ذكر الفخر الرازى منها ثمانية أنواع جاء فيها أنه قد يكون من أصحاب النفوس القوية بالتسلط على أصحاب النفوس الضعيفة، وقد يكون بالاستعانة بالجن والعزائم والبخور، وقد يكون بما يقال عنه الآن خفة اليد، يلهى العين بعمل شىء ليعمل غيره، وقد يكون بالفن والصنعة التى تخلب الألباب - ومنه حيل التصوير السينمائى -، وقد يكون باستعمال أدوية لها خواص معينة كالتى يدهنون بها أجسادهم فلا تحرقهم النار.

هذا، وقد تحدث العلماء عن الحديث الذى ورد فى البخارى ومسلم أن رجلا من بنى زريق حليف لليهود اسمه لبيد بن الأعصم سحر النبى @ فأثبته جماعة، وقالوا: ذلك جائز، فهو مرض من الأمراض التى تصيب الإنسان، وهو لم يؤثر عليه من ناحية تبليغ الرسالة والتزام أحكامها، وأولوا قوله تعالى {والله يعصمك من الناس} المائدة: ٦٧، بعصمة القلب والإيمان دون الجسد، فقد شج وجهه وكسرت رباعيته وآذاه جماعة من قريش.

والجصاص من أئمة الحنفية قد نفى أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد سحر، على الرغم من صحة الحديث، وذلك استنادا إلى الآية، ولعدم فتح الباب للطعن فيما بلغه من الرسالة.- وقد وضح ابن القيم ذلك فى كتابه: " زاد المعاد " كما وضحه النووى فى شرح صحيح مسلم بما يثبت العصمة للنبى صلى الله عليه وسلم فى أمور التبليغ، ويجيز تأثره بما يتأثر به الناس من الأمراض التى لا تخل بهذه العصمة.

وخلاصة ما فى زاد المعاد (ج ٣ ص ١٠٤) : قد أنكر هذا طائفة من الناص وقالوا لا يجوز هذا عليه وظنوه نقصا وعيبا، وليس الأمر كما زعموا، بل هو من جنس ما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع، وهو مرض من الأمراض، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما، وقد ثبت فى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن كان ليخيل إليه أنه يأتى نساءه ولم يأتهن، وذلك أشد ما يكون من السحر، قال القاضى عياض: والسحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل يجوز عليه صلى الله عليه وسلم كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح فى نبوته، وأما كونه يخيل إليه أنه فعل الشىء ولم يفعله فليس فى هذا ما يدخل عليه داخلة فى شىء من صدقه، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هنا فيما يجوز طروؤه عليه فى أمر دنياه التى لم يبعث لسببها ولا فصل من أجلها، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أنه يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له، ثم ينجلى عنه كما كان انتهى.

هذا، وقد تأثر موسى عليه السلام بما فعله السحرة، فقال تعالى {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى. فأوجس فى نفسه خيفة موسى} وليس ذلك قادحا فى رسالته عليه السلام. ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى:

١ - تفسير الفخر الرازى وابن كثير والقرطبى فى سورة البقرة والمعوذتين.

٢- زاد المعاد لابن القيم.

٣- مفتاح دار السعادة لابن القيم.

٤- حياة الحيوان الكبرى للدميرى " مادة كلب "

<<  <  ج: ص:  >  >>