[حكم تفاوت وزن الدنانير والدراهم فى ربوية التعامل بها]
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
٢٥ حمادى الآخرة ١٣٩٩ هجرية - ٢٢ مايو ١٩٧٩ م
المبادئ
١ - التعامل بدنانير الروم ودراهم الفرس متعارف عليه عند العرب قبل الإسلام.
٢ - أقر الرسول صلى الله عليه وسلم أهل مكة على هذا التعامل.
٣ - استقر تعامل المسلمين بالذهب والفضة بشرط المثلية، وتكون الزيادة بها ربا وذلك منذ صدور الإسلام.
٤ - عند مابدلة الذهب بالذهب والفضة بالفضة يتحتم التساوى فى الوزن دون العدد لعلة الثمنية
السؤال
بالطلب المقدم من الأستاذ الدكتور - مدير البحوث والدراسات دائرة الشئون القانونية بالأمانة العامة للأمم المتحدة المقيد برقم ١٨ سنة ١٩٧٩ المتضمن الاستفسار عن مدى تأثير تفاوت وزن الدنانير والدراهم فى العصور الإسلامية المتفاوتة فى ربوية التعامل بها قروضا كانت أم أثمان مبيعات أم غير ذلك، فإذا اقترض عمرو ١٠٠٠ دينار مثلا من زيد فقد يقابلها فى زمن الوفاء بها عند حلول الأجل المتفق عليه ١١٠٠ دينار، بافتراض أن الدنانير المقترضة كان الواحد فيها يزن مثقالا كاملا، حالة أنه عند الوفاء كانت الدنانير المتداولة تنقص عن وزن المثقال والسؤال هو هل المائة دينار التى تقاضاها زيد الدائن فى المثال السابق تعتبر من قبيل الربا المحرم أم لا وإذا كان الجواب بالإيجاب فكيف أقر الفقهاء أسلوب حساب الدين بالوزن لا بالعدد، ولم ينكره أحد منهم وجرى به عرف الأمة عالمها وعاميها بلا خلاف طوال قرون عديدة
الجواب
إن الدينار والدهم الإسلاميين قد اختلف العلماء فى تحديد قدرهما وقد تعرض لبحث تطورهما من العلمءا والأقدمين أبو عبيد فى كتابه الأموال، والبلاذرى فى كتابه فتوح البلدان، والخطابى فى معالم السنن.
والماوردى فى الحكام السلطانية، والنوى فى المجموع شرح المهذب فى كتاب الببيوع، والمقريزى فى كتاب النقود القديمة الإسلامية، ثم على باشا مبارك فى الجزء ٢ من كتاب الخطط التوفيقية والدكتور عبد الرحمن فهمى فى كتابه صنجح السكة فى الإسلام ودائرة المعارف الإسلامية المترجمة ج - ٩ فى مادتى درهم ودينار، ورسالة تحرير الدرهم والمثقال للأب أنستاس الكرملى وغير هذا من كتب الفقه والتاريخ.
وقد تعارف العرف قبل الإسلام التعامل بالدنانير حيث كانت ترد إليهم من من بلاد الروم وبالدراهم التى رد كذلك من بلاد الفرس، وكانت الدراهم الواردة تختلف حجما ووزنا، وكان أهل مكة يتعاملون فيها وزنا لا عدا كأنها سبائك غير مضروبة، وقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم أهل مكة على هذا التعامل وقال (الميزان ميزان أهل مكة والميكال مكيال أهل المدينة) نظرا لآن هؤلاء كانوا أهل زراعة وأولئك كانوا تجارا، وقد استقر تعامل المسلمين بالذهب والفضة باعتبارهما ثمنا للتبادل كغيرهم من الأمم، ووضع الرسول صلى الله عليه وسلم فى حديث مشهور قاعدة هامة هى التماثل فى التعامل بهذين المعدنين وغيرهما من الأصناف الستة - ونص على أن الزيادة ربا - ففى لفظ الحديث الذى رواه مسلم فى صحيحه عن طريق عبادة بن الصامت رضى الله عنه (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضل بالفضة والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو استزاد فقد أربى) .
وقد اتفق الفقهاء على أن العبرة بالتساوى والمماثلة فى حال تبادل هذه الأنواع بمثلها من جنسها وزنا أو كيلا - وقال فقهاء الحنفية والحنابلة ان المعيار الشرعى الموجب للمماثلة هو القدر والجنس وإن اختلف فقهاء المذهبين فى القدر الذى يتحرز فيه عن الربا.
وقال فقهاء الشافعية ان الذهب والفضة يحرم فيهما الربا لعلة واحدة هى أنها من جنس الأثمان - ومن أجل هذا حرموا الزيادة فى الوزن كذلك فيهما دون غيرهما من الموزونات، وفقهاء المالكية قالوا إن علة تحريم الزيادة فى الذهب والفضة النقدية، فأوجبوا التساوى فى القدر حين التساوى الأربعة أنه عند مبادلة الذهب بالذهب والفضة بالفضة يتحتم التساوى فى القدر أى الوزن دون نظر إلى عدد الوزن لعلة الثمنية أى أن هذين المعدنين قد وضعا لقياس قيمة الأموال، وترتيبا على هذا ففى واقعة السؤال إذا اقترض عمرو ١٠٠٠ دينار من زيد وعند الوفاء فى الأجل المضروب بينهما كان سداد القرض بعدد ١١٠٠ دينار فإن هذا العدد مساو وزنا للعدد الأول ١٠٠٠ دينار فى هذا التعامل وصار أسلوب حساب الديون وسدادها بالوزن لا بالعدد، وعلى ذلك فإن المائة دينار التى تقاضاها الدائن فى المثال لا تعتبر ربا إذ ليست زائدة عن وزن الدين الذى اقترضه المدين، فهو وإن كان قد قبض ١٠٠٠ دينار عدا لكنها مفترضة الوزن الملنضبط.
وعلى المدين أن يوفى الدين الذى قبضه وزنا لا عدا - لأن المعيار الشرعى على حد تعبير الفقهاء - هو اتحاد القدر والجنس فمن زاد أو استزاد فقد أربى - وفى المثال لا زيادة فى القدر وزنا والجنس متحد لأن البدلين من الذهب، أما إذا افترضنا أن ال- ١٠٠ دينار تزيد وزنا عن ١٠٠٠ دينار فإن الزيادة أنئذ تكون ربا.
والله سبحانه وتعالى أعلم