هل يجب على من قام من مجلس أن يلقى السلام على الجالسين، وإذا غلب على ظنه أنه لن يرد عليه السلام احد هل يجوز له ألا يلقيه؟
الجواب
جاء فى كتاب الأذكار للنووى: إذا كان جالسا مع قوم ثم قام ليفارقهم فالسنة أن يسلم عليهم، ففى سنن أبى داود والترمذى وغيرهما بالأسانيد الجيدة عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله @ "إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة" قال الترمذى: حديث حسن.
يقول النووى تعليقا على هذا الحديث ما مؤداه: ظاهر الحديث أنه يجب على الجماعة رد السلام على هذا الذى سلم عليهم وفارقهم، وقد قال الإمامان القاضى حسين وصاحبه ابو سعيد المتولى: إنه يستحب ولا يجب، لأن التحية إنما تكون عند اللقاء لا عند الانصراف، وهذا كلامهما، وقد أنكر الإمام أبو بكر الشاشى الأخير من أصحابنا - أى الشافعية - وقال هذا فاسد، لأن السلام سنة عند الانصراف كما هو سنة عند الجلوس وفيه هذا الحديث وهذا الذى قاله الشاشى هو الصواب.
وفى الكتاب نفسه بعد هذا الفصل مباشرة قال النووى: إذا مر على واحد أو أكثر وغلب على ظنه أنه إذا سلم لا يرد عليه إما لتكبر الممرور عليه وإما لإهمال المار، وإما لغير ذلك فينبغى أن يسلم ولا يتركه لهذا الظن، فإن السلام مأمور به، والذى أمر به المار أن يسلم ولم يؤمر بأن يحصل الرد، مع أن الممرور عليه قد يخطئ الظن فيه ويرد.
ثم يقول النووى: وأما قول من لا تحقيق عنده: إن سلام المار سبب لحصول الإثم فى حق المرور عليه فهو جهالة ظاهرة وغباوة بينة، فإن المأمورات الشرعية لا تسقط عن المأمور بها بمثل هذه الخيالات، ولو نظرنا إلى هذا الخيال الفاسد لتركنا إنكار المنكر على من فعله جاهلا كونه منكرا وغلب على ظننا أنه لا ينزجر بقولنا، فإن إنكارنا عليه وتعريفنا له قبحه يكون سببا لإثمة كذا إذا لم يقلع عنه، ولا شك فى أننا لا نترك الإنكار بمثل هذا.
ثم يقول النووى: ويستحب لمن سلم على إنسان وأسمعه سلامه وتوجه عليه الرد بشروطه فلم يرد أن يحلله من ذلك فيقول أبرأته من حقى فى رد السلام، أو جعلته فى حل منه، ونحو ذلك ويلفظ بهذا، فانه يسقط به حق هذا الآدمى.
ثم يروى حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم "من أجاب السلام فهو له، ومن لم يجب فليس منا" ويستحب لمن سلَّم على إنسان فلم يرد عليه أن يقول له بعبارة لطيفة: رد السلام واجب، فينبغى لك أن ترد علىَّ ليسقط عنك الفرض