[الحج والعذر الشهرى للمرأة]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
سيدة فاجأتها الدورة أثناء الإحرام بالحج أو العمرة، فماذا تفعل؟
الجواب
ثبت فى الصحيح عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهى تبكى، فقال " أنُفِسْتِ "؟ يعنى هل جاءتك الحيضة فقالت: نعم، قال " إن هذا شىء كتبه اللَّه على بنات آدم، فاقض ما يقض الحاج، غير ألا تطوفى بالبيت حتى تغتسلى " رواه البخارى ومسلم.
هذا تصريح من النبى صلى الله عليه وسلم أن كل أعمال الحج يجوز أن تقوم بها المرأة وهى حائض، ماعدا الطواف. لأنه أولا كالصلاة يشترط لكل منهما الطهارة من الجنابة بالذات، وثانيا كونه فى المسجد، وممنوع عليها المكث فيه.
فلها أن تقف بعرفة وترمى الجمرات، بل لها أن تسعى بين الصفا والمروة إن فاجأها بعد الانتهاء من الطواف، والذى تمنع منه صاحبة العذر الشهرى هو الصلاة والطواف وقراءة القرآن والمكث فى المسجد ومس المصحف وحمله. أما الذكر والدعاء ومنه التلبية والتكبير فلا يحرم شىء منه عليها.
وجمهور العلماء على أن الطهارة من الحدث شرط لصحة الطواف وقال أبو حنيفة إنها ليست شرطا، فلو طاف الإنسان وعليه نجاسة أو كان محدثا ولو حدثا أكبر صح طوافه وإن حرم عليه دخول المسجد، واختلف أصحابه فى كون الطهارة واجبة مع اتفاقهم على أنها ليست بشرط، فمنهم من أوجبها وقالوا: إن طاف محدثا لزمه شاة وإن طاف جنبا لزمه بدنة، وقالوا: ويعيد ما دام فى مكة، وعن أحمد بن حنبل روايتان، إحداهما كمذهب الشافعى ومالك، والثانية إن أقام بمكة أعاده، وإن عاد إلى بلده جُبِرَ بدم.
واحتج أبو حنيفة وموافقوه قى عدم اشتراط الطهارة بقوله تعالى {وليطوفوا بالبيت العتيق} وهذا يتناول الطواف بلا طهارة، قياسا على الوقوف بعرفة وسائر أركان الحج، واحتج غيرهم بحديث عائشة السابق، وبأن قول النبى صلى الله عليه وسلم " لتأخذوا عنى مناسككم " بيان للطواف المجمل فى القرآن، وقد منع عائشة من الطواف حتى تغتسل وجاء فى نيل الأوطار للشوكانى "ج هـ ص ١٢٠ طبعه بيروت " روى عن عطاء: إذا طافت المرأة ثلاثة أطواف فصاعدا ثم حاضت أجزأ عنها، وهو مذكور فى فتاوى ابن تيمية "ج ٢٦ ص ٠٨ ٢ " الذى ناقش هذا الموضوع بتوسع وقال:
إن الطهارة شرط فى صحة الطواف على رأى الشافعى ومالك ورواية لأحمد، وليست شرطا فى الرواية الأخرى وعند أبى حنيفة، وقال: إن هذا قول أكثر السلف وهو الصواب "ج ٢٦ ص ٢١١ ".
ومما قال "ج ٢٦ ص ٢٢١ ": تنازع العلماء فى الطهارة هل هى شرط فى صحة الطواف كالصلاة أم هى واجبة إذا تركها جبر بدم كترك الإحرام من الميقات؟ على قولين مشهورين، هما روايتان عن أحمد، أشهرهما عنه وهى مذهب مالك والشافعى أن الطهارة شرط فيها، فإذا طاف جنبا أو محدثا، أو حائضا ناسيا أو جاهلا ثم علم - أعاد الطواف -والثانى أنه واجب. فإذا فعل ذلك جبره بدم.
لكن عند أبى حنيفة: الجنب والحائض عليه بدنة، والمحدث عليه شاة، وأما أحمد فأوجب دما ولم يعين.
وأرى أن العذر الشهرى لو فاجأ المرأة أو كان واقعا، لها أن تغتسل ثم تحرم وتلبى، وتلتزم بكل واجبات الإحرام حتى ينتهى العزر فتغتسل ثم تطوف، وإن انتهت من أعمال الحج وبقى عليها الطواف وأرادت أن تسافر فإن أمكن تأجيل السفر حتى تتطهر وتغتسل فالأولى الانتظار حتى تتطهر وتطوف، أما إذا ضاق الوقت وتقرر موعد السفر وكانت هناك مشقة فى التخلف، فلها أن تتطهر-على الرغم من وجود العزر- وتطوف، وعليها ذبح بدنة أى جمل، أو ذبح شاة.
وفى الفتاوى الإسلامية " المجلد ٨ ص ٢٩٢٧" أجاز بعض الحنابلة والشافعية دخولها المسجد بعد إحكام العصب والغسل، وتطوف دون فدية، لعلة الاضطرار للسفر، وهو عزر شرعى.
وهذا كله فى الطواف المفروض وهو طواف الإفاضة أو الزيارة الذى يكون بعد الوقوف بعرفة، أما طواف القدوم فهو سنة: وكذلك طواف الوداع الأخير غير مفروض على الحائض والنفساء، فقد قال ابن عباس رضى الله عنهما، كما رواه البخارى: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض.
هذا، ولا مانع من تعاطى أدوية تمنع الدم حتى يتم لها نسكها وهى طاهرة فقد روى سعيد بن منصور عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما أنه سئل عن ذلك فلم يربه بأسا، ووصف لهن ماء الأراك. وقال محب الدين الطبرى: إذا اعْتُدَّ بارتفاع الدم فى هذه الصورة اعْتُدَّ بارتفاعه فى انقضاء العدة وسائر الصور، وكذلك فى شرب دواء يجلب الحيض إلحاقًا له