[تعزية غير المسلم]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل يجوز أن يعزى الإنسان شخصا غير مسلم فى وفاة قريب له، وهل يقول المرحوم، أو الله يرحمه؟
الجواب
أما مبدأ التعزية فمشروع، وهو من ضمن البر الذى جاء فى قوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} الممتحنة: ٨، وقرر الفقهاء أن يقال لغير المسلم: أخلف الله عليك، ومن صور المجاملات أن النبى صلى الله عليه وسلم عاد غلاما يهوديا كان يخدمه وعرض عليه الإسلام فأسلم، كما رواه البخارى فى "الأدب المفرد " وذكره ابن حجر فى "المطالب العالية "ج اص ٢١٢ فالمجاملات جائزة ولكن فى حدود المشروع.
وقد يجرى على بعض الألسنة عند العزاء أو الحديث عن ميت غير مسلم عبارة: المرحوم فلان، أو الله يرحمه، فإن كانت العبارة إخبارا عن الميت بأنه مرحوم فذلك لا يصح، لأنه ذهب إلى ربه بما عمل وهو أعلم به، حتى الإخبار عن المسلم بأنه مرحوم هو أمر ظنى لا ينبغى أن يؤخذ مأخذ الحقيقة.
روى الترمذى أن غلاما استشهد يوم أحد، فوجد المسلمون على بطنه حجرا مربوطا، بسبب الجوع، فمسحت أمه التراب عنه وقالت: هنيئا لك الجنة يا بنى، فقال صلى الله عليه وسلم "وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه، ويمنع ما لا يضره ".
فإذا كان هذا فى المسلم فغير المسلم من باب أولى لا نخبر عنه بأنه مرحوم أو ذهب إلى رحمة الله. وإذا كانت رحمة الله وسعت كل شىء لكنه كتبها للمؤمنين الصالحين، الذين يتبعون النبى الموصوف فى التوراة والإنجيل.
أما الدعاء له بالرحمة، أو قراءة الفاتحة ليرحمه الله، فذلك للمسلم جائز إذا مات على الإيمان بأن لم يصدر عنه شىء يكفر به، أما غير المسلم فقد تحدث العلماء عن الاستغفار أو طلب الرحمة له، فى حال حياته أو بعد مماته، فقالوا: إن كان حيًّا جاز الاستغفار وطلب الرحمة والهداية بالتوفيق إلى الإيمان، وعليه يحمل ما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال عن قومه المشركين "اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون " رواه البخارى ومسلم وذلك على بعض الأقوال التى قالت: إن هذا إنشاء من الرسول، وليس حكاية عن نبى سابق دعا لقومه.
ويحمل أيضا ما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم لما زار عمه أبا طالب فى مرضه الذى مات فيه وعرض عليه الإسلام فأبى، قال " أما والله لأستغفرن لك ما لم أُنْه عن ذلك " فأنزل الله تعالى {ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم. وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه} التوبة: ١١٣، ١١٤.
فالاستغفار للأحياء جائز لأن إيمانهم مرجو، أما من مات فقد انقطع عنه الرجاء فلا يُدعى له. قال ابن عباس: كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت، فأمسكوا عن الاستغفار، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا.
فالدعاء لمن مات غير مؤمن بأن الله يرحمه أو غفر له، أو قراءة الفاتحة له لذلك لا يجوز، وقد روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يستغفر لأمه فلم يأذن له.
لا يقال إن الآية خاصة بالموتى المشركين، أما اليهود والنصارى فليسوا كذلك، لا يقال هذا لأن الله قال فى كل من كان على غير الإسلام {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين} آل عمران:٨٥، وقال فى عباد الأصنام وغيرهم من اليهود والنصارى {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين فى نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية} البينة: ٦، ووصف بعض أهل الكتاب بأنهم كفار فقال جل شأنه {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} وقال تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} المائدة: ٧٢، ٧٣.
وقال تعالى فى الكفار جميعا {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون} البقرة: ١٦١، ١٦٢،.
ومن هنا لا يجوز وصف الميت غير المسلم بأنه مرحوم، ولا الدعاء له بالرحمة