يفكر بعض العلماء فى نقل بنكرياس من خنزير بدل بنكرياس إنسان من أجل علاج مرضى السكر فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب
على الرغم من قول جمهور الفقهاء بنجاسة الخنزير، وقول بعضهم بطهارته إنهم متفقون على أن ميتة الحيوانات نجسة، وهى التى لم تذبح ذبحا شرعيا أو كان أكلها حراما حتى لو ذبحت كالحمار مثلا. والنجاسة تشمل كل جزء من أجزاء الميتة، غير أن جلد الميتة يطهر بالدباغ إلا جلد الكلب والخنزير عند الجمهور، ورأى داود الظاهرى وأبو يوسف من الحنفية تعميم الطهارة بالدبغ لكل الحيوانات، لعموم الأحاديث الواردة فى ذلك.
أما غير الجلد من الميتة فلا يطهر بالدباغ ولا بأية مادة أخرى ويبقى على نجاسته، كما اتفق الفقهاء على أن ما يؤخذ من الحيوان حال حياته له حكم ميتته، مع استثناء شعر وصوف ووبر مأكول اللحم فهى طاهرة، قال تعالى:{وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين} النحل:٨٥، وجاء فى الحديث الذى رواه الحاكم وصححه "ما قطع من حى فهو كميتته ".
ومن هنا نقول: إن الجزء الذى ينزع من الخنزير لوصله بجسم الإنسان نجس باتفاق الفقهاء، سواء نرغ منه وهو حى - لأن ما قطع من الحى فهو كميته وميتته نجسة باتفاق -أو نرغ منه بعد موته فهو نجس أيضا، وإذا كان رأى داود وأبى يوسف أن جلده يطهر بالدباغ، فأى جزء آخر غير الجلد لا يطهر بالدباغ.
وإذا كان الأمر كذلك وهو الاتفاق على نجاسة ما يؤخذ من الخنزير حيا أو ميتا فهل يجوز نقل جزء منه إلى جسم الإنسان للعلاج؟ سبق القول فى جبر عظم الإنسان بعظم نجس وخلاصته: أن فقهاء المالكية والحنابلة والشافعية قد صرحوا بأن مداواة الإنسان بشىء نجس جائز عند الضرورة التى صوروها بعدم وجود شىء طاهر، ولو فرض أنه لا توجد ضرورة وحصلت المداواة بالنجس وكان قلعه فيه ضرر لا ينزع وتصح الصلاة به، وهناك قول بأن الجزء النجس إذا اكتسى لحما لا ينزع وإن لم يخف الهلاك. كما أن الحنفية قالوا: إذا قضت الضرورة بوصل العظم المكسور بعظم نجس فلا حرج ولا إثم، ما دام يتعذر نزعه إلا بضرر.
بعد عرض هذه الأقوال [الملخصة من بحث الشيخ جاد الحق على جاد الحق] أقول: زرع بنكرياس خنزير مكان بنكرياس الإنسان لأنه علاج فعال لمرض منتشر لا يقوم غيره الآن مقامه، لا بأس به. والرأى القائل بالجواز وعدم النزع إذا اكتسى العظم لحما يؤيد ما أقول، وبخاصة أن البنكرياس سيزرع فى باطن الجسم لا فى ظاهره، وباطن الجسم مملوء بما نحكم عليه بالنجاسة لو خرج إلى الظاهر كالبول والبراز والدم، ونصلى ونحن حاملون لذلك لأننا لا نستغنى عنه بالطبيعة، فكيف لا يكون ما يزرع فى الداخل من الشىء النجس كهذه الأشياء؟ وإذا تحدث البعض عند الحكم وقال: تجوز الصلاة مع الوصل بالعظم النجس، ورتب الحكم على النجاسة، فإن من ابتلع شيئا نجسا محتاجا إليه فى العلاج كانت صلاته صحيحة ولا حاجة إلى تطهير شىء، اللهم إلا الفم الذى ابتلع منه الدواء وما وقع على ظاهر الجسم، بصرف النظر عن كون الابتلاع حراما أو حلالا، حسب الحاجة والضرورة وعدمها، لأن الابتلاع أكل أو شرب ينظر فيه إلى المادة إن كانت حراما أو حلالا. ولو دخلت المادة النجسة إلى الجسم بغير طريق الأكل والشرب - كالحقن فى الوريد أو العضل، أو تحت الجلد - هل يقال: إن ذلك حرام؟ ربما يقال ذلك لأن الحديث يقول "لم يجعل الله شفاء أمتى فيما حرم عليها"ولكن للضرورة أحكام، إن الأمر ما دام فيه احتمال للجواز لا ينبغى أن نجزم بحرمته، وبخاصة إذا ثبتت فائدة الدواء بصورة فعالة فى مرض يعانى منه الكثيرون. هذا هو رأيى فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمنى، وأرجو العفو منه سبحانه، والأعمال بالنيات