[القمار والرهان محرم شرعا]
المفتي
عبد المجيد سليم.
ذى الحجة ١٣٥٧ هجرية ٢٣ ابريل ١٩٣٩ م
المبادئ
١ - كل عقد معلق على خطر الحدوث من عدمه غير جائز شرعا.
٢ - القمار محرم شرعا بشتى صوره ومنه الرهان إذا كان بين طرفين وسباق الخيل
السؤال
من وكيل وزارة الداخلية أن اللجنة الفرعية بلجنة الحقانية بمجلس النواب المشكلة لدراسة مشروع قانون ألعاب القمار ترغب معرفة إن كانت هناك نصوص شرعية تبيح الرهان، كالرهان على سباق الخيل مثلا وغيره من أنواع الرهان المنصوص عليها بالقانون رقم ١٠ لسنة ١٩٢٢ كما ترى أيضا الاطلاع على نص فتوى المرحوم الشيخ محمد عبده بخصوص يانصيب الجمعيات والملاجىء الخيرية إن كانت.
فأرجو التكرم بالتنبيه بموافاتى بصفة عاجلة بما تطلبه اللجنة المشار إليها
الجواب
اطلعنا على كتاب الوزارة رقم ٤٧ - ١٤ - ٧ الوارد إلينا فى ١٧ يناير سنة ١٩٣٩ ونفيد أن القمار حرام بقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون.
إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} المائدة ٩٠، ٩١، فقد قال ابن عباس وقتادة ومعاوية بن صالح وعطاء وطاوس ومجاهد.
الميسر القمار فكل ما كان قمارا فهو ميسر محرم بالآية الكريمة إلا مارخص فيه بدليل آخر كما سيأتى ومحرم أيضا بقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما.
ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا} النساء ٢٩، ٣٠، وبقوله تعالى {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} البقرة ١٨٨، وذلك لأن أكل المال بالباطل على وجهين أحدهما أخذ المال بغير رضا صاحبه بل على وجه الظلم والسرقة والخيانة والغصب وما جرى ذلك.
والآخر أخذه برضا صاحبه من جهة محظورة نحو القمار والربا، وقد أجمع المسلمون على حرمة القمار.
هذا ولا نعلم خلافا فى أن ماكان على سبيل المخاطرة بين شخصين بحيث يغنم كل ما كان فيه تعليق المال على الخطر فهو من قمار.
وذهب الحنفية إلى أن كل ما كان فيه تعليق المال على الخطر فهو من القمار أخذا مما روى أن رجلا قال لرجل إن أكلت كذا وكذا بيضة فلك كذا وكذا فارتفعا إلى على رضى الله عنه فقال هذا قمار ولم يحزه، ومن أجل ذلك أبطل الحنفية عقود التمليكات المعلقة على الأخطار من الهبات والصدقات وعقود البياعات، فإذا قال وهبتك هذا المال إذا خرج عمرو كانت هذه الهبة باطلة غير مقيدة للملك بالقبض، ومثل ذلك إذا قال له بعتك ذهبوا إلى أن كل تمليك معلق على الحظر فهو باطل غير مقيد للملك كما يؤخذ من كلام الجصاص فى كتابه - أحكام القرآن - عند الكلام على قوله تعالى {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} البقرة ٢١٩، وعند الكلام على قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} قال الجصاص وهو إمام الحنفية فى عصره ولا خلاف فى حظر القمار إلا ما رخص فيه من الرهان فى السبق فى الدواب والإبل والنضال وساق بعض الأدلة من السنة على ذلك.
وحاصل ما قاله الحنفية فى هذا الموضوع أن الرهان بمال إنما يجوز فيما دل الدليل على الإذن به من المسابقة بالخيل والإبل والرمى والإقدام والفقه.
وحكمة مشروعية هذا الإذن أن الحاجة ماسة إلى تعلم الفروسية وإعداد الخيل والخبرة بالرمى والتفقه لتقوية الدين وإعلاء كلمة الله والمسابقة فى هذه الأشياء وسيلة إلى ذلك وقالوا إن المسابقة فيما ذكر إنما تجوز بجعل فى الصور الثلاث الآتية - الأولى أن يكون المال المعين للسابق من غير المتسابقين بأن يكون من ولى الأمر سواء أكان من ماله الخاص أم من بيت المال - أو من أجنبى متبرع وهو المسمى الآن بالجوائز.
الثانية أن يكون المال من أحد المتسابقين دون الآخر بأن يتسابق اثنان ويقول أحدهما لصاحبه إن سبق فرسك فرسى مثلا كان لك كذا منى، وإن بسق فرسى فرسك فلا شىء لى عليك.
الثالثة أن يكون المال من كل من المتسابقين ويدخلا ثالثا بينهما ويقولا للثالث إن سبقتنا فالمال لك وإن سبقناك فلا شىء لنا عليك - والشرط الذى شرطاه بينهما وهو أيهما سبق كان له الجعل على صاحبه - باق على حاله - فإن غلبهما الثالث أخذ المالين وإن غلباه فلا شىء لهما عليه ويأخذ أيهما غلب المشروط له من صاحبه.
أما إذا كان المال مشروطا من كل منهما ولم يدخلا هذا الثالث فهو من القمار المحرم.
هذا خلاصة مذهب الحنفية، وقد أجاز بعض العلماء من غير الحنفية أن يكون الجعل من كل منهما بدون إدخال الثالث بينهما كما يعلم من صفحة ٣١٣ من الجزء الثالث من كتاب أعلام الموقعين.
ولكن المعروف عن الأئمة الأربعة عدم حل هذه الصورة.
وما قلناه هو الجائز شرعا على النحو الذى بينا.
ومنه يعلم أن الرهان المعروف الآن سواء كان رهانا على سباق الخيل أم غيره من أنواع الرهان من القمار المحرم شرعا الذى ليس هناك نصوص تبيحه،بل قد دلت النصوص التى ذكرناها على حرمته وإنما حرم الشارع الميسر الشامل لأنواع الرهان الموجودة الآن لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة التى نشاهدها كل يوم.
فقد أفضى إلى ضياع أموال كثيرة من المتراهنين وخراب بيوت لأسر كريمة، كما حمل الكثير من المقامرين على ارتكاب شتى الجرائم من السرقة والاختلاس بل والانتحار أيضا فالمطلع على ذلك وغيره مما أدى ويؤدى إليه القمار يزداد إيمانا بأن من رحمة الله وفضله وباهر حكمته أن حرمه على عبادة كما حرم عليهم كثيرا من الأشياء لما يترتب عليها من المفاسد والمضار هذا ولا نعلم أن للمرحوم الشيخ محمد عبده فتوى بخصوص يا نصيب الجمعيات والملاجىء الخيرية