للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[متى فرضت الطهارة للصلاة]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

لفت نظرى أن آية الوضوء التى فى سورة المائدة مدنية، مع أن الصلاة فرضت فى مكة، فهل كان النبى صلى الله عليه وسلم يصليها بغير وضوء؟

الجواب

يقول الله سبحانه {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ... } المائدة: ٦ نزلت هذه الآية بغسل هذه الأعضاء فقط -وهى المعتبرة فى الوضوء- بالمدينة.، وفيها أيضا الطهارة من الجنابة، كما نزلت بالمدينة آية سورة النساء: ٤٣ الموجبة للغسل من الجنابة، ومعه التيمم بدل الغسل وبدل الوضوء الذى ينتقض بالبول والغائط.

والمعروف أن الصلاة فرضت بمكة، وتحددت بخمس فى اليوم والليلة فى ليلة المعراج قبل الهجرة، فهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلى فى مكة بغير وضوء وبدون غسل من الجنابة؟ يقول ابن عبد البر: إن أهل السِّير- التاريخ - اتفقوا على أن غسل الجنابة فرض على النبى صلى الله عليه وسلم بمكة لما افترضت الصلاة وأنه لم يصل قط إلا بوضوء، وهذا ما لا يجهله أحد.

وفى مستدرك الحاكم حديث ابن عباس: دخلت فاطمة على النبى صلى الله عليه وسلم وهى تبكى فقالت: هؤلاء الملأ من قريش تعاهدوا ليقتلوك فقال "ايتونى بوضوء، فتوضأ ... قال فى الفتح - فتح البارى لابن حجر- وهذا يصلح ردا على من أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة، لا على من أنكر وجوبه.

فالمتفق عليه أن الوضوء ومثله الغسل للصلاة كان موجودا بمكة، لكن الخلاف فى: هل كان وجوده على سبيل الندب أو على سبيل الوجوب؟ قال جماعة بالندب، بناء على أن الأمر به فى آيتى المائدة والنساء هو للوجوب، وهما نازلتان بالمدينة، وجزم بذلك ابن الجهم المالكى وقال آخرون بالوجوب. قال القرطبى-كما نقله ابن مفلح -: إن آية الوضوء - النازلة بالمدينة- إنما نزلت ليكون فرضها المتقدم -يعنى على إنزالها-متلوًّا فى التنزيل أى أن الوضوء كان مفروضا بمكة ولكن بغير القرآن ثم نزل به القرآن فى المدينة.

وابن حزم جزم بأن الوضوء لم يشرع -لا وجوبا ولا ندبا- إلا فى المدينة، ومعنى ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه صلوا فى مكة بغير وضوء، وكلامه مردود بمرويات ليست قوية، منها ما أخرجه ابن لهيعة فى المغازى أن جبريل علَّم النبى الوضوء عند نزوله عليه بالوحى، وهو حديث مرسل سقط منه الصحابى، وما رواه أحمد والدارقطنى من رواية ابن لهيعة أيضا مرفوعا وليس مرسلا: أن جبريل أتى النبى صلى الله عليه وسلم فى أول ما أوحى إليه فعلمه الوضوء والصلاة، فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه.

هل يفهم من هذا أنه استنجى بعد الوضوء، وأن النضح ليس فيه مس للفرج، أو أن مس الفرج غير ناقض للوضوء؟ معروف أن ابن لهيعة وضعه العلماء فى الضعفاء، قيل مطلقا وقيل بعد أن مرض.

ومن المرويات ما أخرجه ابن ماجه من حديث أسامة عن أبيه، وأخرجه الطبرانى فى الأوسط من طريق الليث بن سعد عن عقيل موصولا، وهو أن جبريل علَّم النبى الوضوء بمكة. وفى ثبوت هذا كلام.

فالخلاصة أن الفقهاء أجمعوا على أن الطهارة للصلاة بالوضوء والغسل واجبة، وأن آية الوجوب نزلت بالمدينة، والصلاة التى صلاها الرسول وأصحابه بمكة أو قبل نزول الآية فى المدينة فيها خلاف: هل كانت بوضوء أو لا؟ والجمهور على أنها كانت بوضوء، وابن حزم هو الذى قال بعدم مشروعيته إذ ذاك، ومن قال بمشروعية الوضوء بمكة اختلفوا هل كان واجبا أو مندوبا؟ قيل بالندب وقيل بالوجوب.

ونحن لا يهمنا من ذلك إلا ما استقر عليه العمل بعد الأمر به فى آيتى النساء والمائدة فى وجوب الطهارة للصلاة بالوضوء والغسل، أما ما حدث قبل ذلك فالخلاف فيه لا أثر له فى حياتنا نحن. يراجع الشوكانى فى نيل الأوطار، والمواهب اللدنية للقسطلانى فى باب الخصائص لمعرفة إن كان الوضوء خاصا بأمة محمد أو كان قبل ذلك - وانظر ص ٨٣ من المجلد الثانى من هذه الفتاوى

<<  <  ج: ص:  >  >>